للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَيَانِ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إنْشَاءٌ فِي الشَّرْعِ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلْإِخْبَارِ لُغَةً حَتَّى لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ أَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا لَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ لِاحْتِمَالِ الْإِخْبَارِ هُنَا فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنْشَاءٌ شَرْعًا يُوجِبُ التَّخْيِيرَ أَيْ يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ إيقَاعِ هَذَا الْعِتْقِ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ وَيَكُونُ هَذَا الْإِيقَاعُ إنْشَاءً وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إخْبَارٌ لُغَةً يُوجِبُ الشَّكَّ وَيَكُونُ إخْبَارًا بِالْمَجْهُولِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُظْهِرَ مَا فِي الْوَاقِعِ وَهَذَا الْإِظْهَارُ لَا يَكُونُ إنْشَاءً بَلْ إظْهَارًا لِمَا هُوَ الْوَاقِعُ فَلَمَّا كَانَ لِلْبَيَانِ وَهُوَ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا شَبَهَانِ شَبَهُ الْإِنْشَاءِ وَشَبَهُ الْإِخْبَارِ عَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنْشَاءٌ شَرَطْنَا صَلَاحِيَّةَ الْمَحَلِّ عِنْدَ الْبَيَانِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ أَرَدْت الْمَيِّتَ لَا يُصَدَّقُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إخْبَارٌ قُلْنَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ فَإِنَّهُ لَا جَبْرَ فِي الْإِنْشَاءَاتِ بِخِلَافِ الْإِخْبَارَاتِ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمَجْهُولِ حَيْثُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ (وَهَذَا مَا قِيلَ إنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ إخْبَارٌ مِنْ وَجْهٍ وَفِي قَوْلِهِ وَكَّلْت هَذَا أَوْ هَذَا أَيُّهُمَا تَصَرَّفَ صَحَّ فَلِهَذَا) أَيْ لِمَا قُلْنَا إنَّ أَوْ فِي الْإِنْشَاءَاتِ لِلتَّخْيِيرِ (أَوْجَبَ الْبَعْضُ التَّخْيِيرَ) فِي كُلِّ أَنْوَاعِ قَطْعِ الطَّرِيقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى

ــ

[التلويح]

فِي ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ لِمُجَرَّدِ إبْهَامِ وَإِظْهَارِ نَصَفِهِ مِثْلَ {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: ٢٤] بِالْجُمْلَةِ الْإِخْبَارُ بِالْمُبْهَمِ لَا يَخْلُو عَنْ غَرَضٍ إلَّا أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ هُوَ إلَيْك فَمِنْ هَاهُنَا ذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا إلَّا تَبَادُرَ الذِّهْنِ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ وَضْعَ الْكَلَامِ لِلْإِفْهَامِ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوْ لَمْ تُوضَعْ لِلتَّشْكِيكِ، وَإِلَّا فَالشَّكُّ أَيْضًا مَعْنًى يُقْصَدُ إفْهَامُهُ بِأَنْ يُخْبِرَ الْمُتَكَلِّمُ الْمُخَاطَبَ بِأَنَّهُ شَاكٌّ فِي تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ) فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الشَّكَّ أَوْ التَّشْكِيكَ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْكَلَامِ ابْتِدَاءً فَأَوْ فِي الْأَمْرِ لِلتَّخْيِيرِ أَوْ الْإِبَاحَةِ أَوْ التَّسْوِيَةِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ بِمَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ فَالتَّخْيِيرُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] الْآيَةَ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ فَلِيُكَفِّرْ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي التَّخْيِيرِ الْجَمْعُ وَلَا يَمْتَنِعُ فِي الْإِبَاحَةِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ هَاهُنَا هُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْإِبَاحَةِ الْإِتْيَانُ بِوَاحِدٍ، وَفِي التَّخْيِيرِ يَجِبُ، وَحِينَئِذٍ إنْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرَ، وَيَثْبُتُ الْجَوَازُ بِعَارِضِ الْأَمْرِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْ عَبِيدِي هَذَا أَوْ ذَاكَ يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ، وَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِبَاحَةَ، وَوَجَبَ بِالْأَمْرِ وَاحِدٌ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بِحُكْمِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهَذَا يُسَمَّى التَّخْيِيرُ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ.

(قَوْلُهُ إنْشَاءً شَرْعًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ فَلَوْ كَانَ خَبَرًا لَكَانَ كَذِبًا فَيَجِبُ أَنْ يَجْعَلَ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةً قُبَيْلَ هَذَا الْكَلَامِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ تَصْحِيحًا لِمَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ إنْشَاءً شَرْعًا وَعُرْفًا

<<  <  ج: ص:  >  >>