للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّكَاحِ بِمِائَتَيْنِ) فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْكَلَامُ غَيْرُ مُتَّسِقٍ لِأَنَّ اتِّسَاقَهُ بِأَنْ لَا يَصِحَّ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ بِمِائَةٍ لَكِنْ يَصِحُّ بِمِائَتَيْنِ وَذَا لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ ذَلِكَ النِّكَاحِ بِمِائَتَيْنِ فَيَكُونُ نَفْيُ ذَلِكَ النِّكَاحِ وَإِثْبَاتُهُ بِعَيْنِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّسِقٍ فَحَمَلْنَا قَوْلَهُ لَكِنْ أُجِيزُهُ بِمِائَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ فَيَكُونُ إجَازَةً لِنِكَاحٍ آخَرَ مَهْرُهُ مِائَتَانِ

(أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ لَا لِلشَّكِّ فَإِنَّ الْكَلَامَ لِلْإِفْهَامِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الشَّكُّ مِنْ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لِلتَّخْيِيرِ كَآيَةِ الْكَفَّارَةِ فَقَوْلُهُ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا إنْشَاءٌ شَرْعًا فَأَوْجَبَ التَّخْيِيرَ بِأَنْ يُوقِعَ الْعِتْقَ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ وَيَكُونُ هَذَا) أَيْ إيقَاعُ الْعِتْقِ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ (إنْشَاءً حَتَّى يَشْتَرِطَ صَلَاحِيَّةَ الْمَحَلِّ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إيقَاعِ الْعِتْقِ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ (وَإِخْبَارَ لُغَةٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنْشَاءً شَرْعًا (فَيَكُونُ بَيَانُهُ إظْهَارًا لِلْوَاقِعِ فَيُجْبَرُ

ــ

[التلويح]

وَالْمُرَادُ هَاهُنَا أَنْ يَصْلُحَ مَا بَعْدَ لَكِنْ تَدَارُكًا لِمَا قَبْلَهَا مِثْلُ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو، وَزَيْدٌ قَائِمٌ لَكِنْ عَمْرٌو قَاعِدٌ، وَمَا أَكْرَمْت زَيْدًا لَكِنْ أَهَنْته بِخِلَافِ مَا جَاءَ زَيْدٌ لَكِنْ رَكِبَ الْأَمِيرُ، وَزَيْدٌ قَائِمٌ لَكِنْ عَمْرٌو قَاعِدٌ وَمَا أَكْرَمْت زَيْدًا لَكِنْ أَهَنْتُهُ بِخِلَافِ مَا جَاءَ زَيْدٌ لَكِنْ رَكِبَ الْأَمِيرُ وَزَيْدٌ قَائِمٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَيْسَ بِكَاتِبٍ، وَبِالْجُمْلَةِ يَكُونُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ لَكِنْ مِمَّا يَكُونُ الْكَلَامُ السَّابِقُ بِحَيْثُ يَتَوَهَّمُ مِنْهُ الْمُخَاطَبُ عَكْسَهُ أَوْ يَكُونُ فِيهِ تَدَارُكٌ لِمَا فَاتَ مِنْ مَضْمُونِ الْكَلَامِ السَّابِقِ، وَالِاتِّسَاقُ هُوَ الْأَصْلُ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ مَا أَمْكَنَ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَا لَكِنْ غَصْبٌ حَيْثُ حُمِلَ عَلَى وُقُوعِ الْخَطَأِ فِي السَّبَبِ فَنَفَى الْقَرْضَ وَأَثْبَتَ الْغَصْبَ فَاتَّسَقَ الْكَلَامُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ لَكِنْ أُجِيزُهُ بِمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ نَفَى إجَازَةَ النِّكَاحِ عَنْ أَصْلِهِ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهِ بِمِائَةٍ أَوْ بِمِائَتَيْنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَّسِقًا لَوْ قَالَ لَا أُجِيزُهُ بِمِائَةٍ، وَلَكِنْ أُجِيزُهُ بِمِائَتَيْنِ لِيَكُونَ التَّدَارُكُ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ لَا فِي أَصْلِ النِّكَاحِ فَلَا يَبْطُلُ. صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ النَّفْيَ فِي الْكَلَامِ رَاجِعٌ إلَى الْقَيْدِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُفِيدُ الْحُكْمَ مُقَيَّدًا بِذَلِكَ الْقَيْدِ لَا رَفْعَهُ عَنْ أَصْلِهِ بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ إثْبَاتَهُ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ آخَرَ فَإِنْ قِيلَ النِّكَاحُ الْمُنْعَقِدُ الْمَوْقُوفُ هُوَ ذَلِكَ النِّكَاحُ الْمُقَيَّدُ بِمِائَةٍ فَإِذَا بَطَلَ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِمِائَتَيْنِ قُلْنَا هُوَ نِكَاحٌ مُقَيَّدٌ، وَإِبْطَالُ الْوَصْفِ لَيْسَ إبْطَالًا لِلْأَصْلِ

(قَوْلُهُ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ) فَإِنْ كَانَا مُفْرَدَيْنِ فَهِيَ تُفِيدُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِأَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَا جُمْلَتَيْنِ تُفِيدُ حُصُولَ مَضْمُونِ إحْدَاهُمَا، وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ النَّحْوِ وَالْأُصُولِ إلَى أَنَّهَا فِي الْخَبَرِ لِلشَّكِّ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ شَاكٌّ لَا يَعْلَمُ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ فَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ وَضْعَ الْكَلَامِ لِلْإِفْهَامِ فَلَا يُوضَعُ لِلشَّكِّ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الشَّكُّ مِنْ مَحَلِّ الْكَلَامِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ فَإِنَّ الْإِخْبَارَ بِمَجِيءِ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ قَدْ يَكُونُ لِشَكِّ الْمُتَكَلِّمِ فِيهِ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْجَانِيَ أَحَدُهُمَا، وَلَا يَعْلَمُ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لِتَشْكِيكِ السَّامِعِ لِغَرَضٍ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>