للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ لَكِنَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ فَيُنْظَرُ أَنَّ الْكَلَامَ مُرْتَبِطٌ أَمْ لَا أَيْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ لَكِنْ تَدَارُكًا لِمَا قَبْلَهَا أَوَّلًا فَإِنْ صَلُحَ يُحْمَلُ عَلَى التَّدَارُكِ (وَإِلَّا فَهُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَّسِقْ أَيْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا تَدَارُكًا لِمَا قَبْلَهَا يَكُونُ مَا بَعْدَهَا كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا (نَحْوُ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ قَرْضٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَا لَكِنْ غَصْبٌ الْكَلَامُ مُتَّسِقٌ فَصَحَّ الْوَصْلُ عَلَى أَنَّهُ نَفْيُ السَّبَبِ لَا الْوَاجِبِ) فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْوَاجِبِ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى نَفْيِ الْوَاجِبِ لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ لَكِنْ غَصْبٌ وَلَا يَكُونُ الْكَلَامُ مُتَّسِقًا مُرْتَبِطًا فَحَمَلْنَاهُ عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ فَلَمَّا نَفَى كَوْنَهُ قَرْضًا تَدَارَكَ بِكَوْنِهِ غَصْبًا فَصَارَ الْكَلَامُ مُرْتَبِطًا (وَلَا يَكُونُ رَدًّا لِإِقْرَارِهِ) بَلْ يَكُونُ نَفْيَ السَّبَبِ (بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا بِمِائَةٍ فَقَالَ لَا أُجِيزَ النِّكَاحَ لَكِنْ أُجِيزُهُ بِمِائَتَيْنِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَجَعَلَ لَكِنْ مُبْتَدَأً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ هَذَا

ــ

[التلويح]

وَهُوَ بَيَانُ تَغْيِيرٍ لَهُ فَكَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِمَا مَعًا فَيَثْبُتُ مُوجِبُهُمَا مَعًا أَعْنِي نَفْيَ الْمِلْكِ عَنْ نَفْسِهِ وَثُبُوتَ الْمِلْكِ لِزَيْدٍ، وَإِنَّمَا احْتَجَّ إلَى إثْبَاتِهِمَا مَعًا لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِالنَّفْيِ أَوَّلًا يَنْتَقِضُ الْقَضَاءُ وَيَصِيرُ الْمِلْكُ لِعَمْرٍو الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَالِاسْتِدْرَاكُ يَكُونُ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ وَإِخْبَارًا بِأَنَّ مِلْكَهُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقَارَنَةَ الْكَلَامَيْنِ تَثْبُتُ بِتَوَقُّفِ أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ الْمُغَيِّرِ حَتَّى كَأَنَّهُمَا جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يُفْصَلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ النَّفْيَ هُنَا لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ عُرْفًا فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمُؤَكَّدِ لَا حُكْمُ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ وَسَكَتَ أَوْ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُتَأَخِّرِ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُؤَكَّدِ أَوْ أَنَّ الْمُقِرَّ قَصَدَ تَصْحِيحَ إقْرَارِهِ، وَذَلِكَ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِمَا إذَا كَذَّبَهُ زَيْدٌ فِي النَّفْيِ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ فِيهِ أَيْضًا تُرَدُّ الدَّارُ إلَى عَمْرٍو الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِاتِّفَاقِ زَيْدٍ وَبَكْرٍ عَلَى بُطْلَانِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ تَكْذِيبُ الشُّهُودِ) إشَارَةٌ إلَى الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ قِيمَةِ الدَّارِ لِعَمْرٍو الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ عَلَى بَكْرٍ الْمَقْضِيِّ لَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ نَفْيُ الْمِلْكِ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ فَيَشْمَلُ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا النَّفْيِ تَكْذِيبُ شُهُودِهِ الْمُسْتَلْزِمُ لِإِثْبَاتِ الدَّارِ مِلْكًا لِعَمْرٍو الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَكِنْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِزَيْدٍ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِعَمْرٍو الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَازِمٌ لِنَفْيِ الْمِلْكِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُقَارِنٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِزَيْدٍ عَلَى مَا سَبَقَ، وَلَازِمُ الشَّيْءِ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ وَعَمَّا مَعَهُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ مُسْتَلْزِمًا لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا إبْطَالُ الْإِقْرَارِ لِزَيْدٍ، وَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يُسْمَعُ، وَالثَّانِي إبْطَالُ شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيُسْمَعُ، وَيَقُومُ حُجَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يُثْبِتَ الدَّارَ مِلْكًا لِعَمْرٍو وَقَدْ أَتْلَفَهَا بِالْإِثْبَاتِ لِزَيْدٍ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ اتَّسَقَ) أَيْ انْتَظَمَ وَارْتَبَطَ

<<  <  ج: ص:  >  >>