للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَلْفَاظَ كِنَايَاتٌ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَلِهَذَا قَالَ: (وَبِتَفْسِيرِ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ أَنْ يُذْكَرَ لَفْظٌ وَيُقْصَدَ بِمَعْنَاهُ مَعْنًى ثَانٍ مَلْزُومٌ لَهُ، فَيُرَادُ بِالْبَائِنِ مَعْنَاهُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ بِنِيَّتِهِ إلَى الطَّلَاقِ فَتَطْلُقُ عَلَى صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ لَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ) يَتَّصِلُ هَذَا بِقَوْلِهِ فَيُرَادُ بِالْبَائِنِ مَعْنَاهُ.

(إلَّا فِي اعْتَدِّي) فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَتَطْلُقُ عَلَى صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ (لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا يُعَدُّ مِنْ الْأَقْرَاءِ فَإِذَا نَوَاهُ اقْتَضَى الطَّلَاقَ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسَبَّبَ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى السَّبَبِ إذَا كَانَ الْمُسَبَّبُ مَقْصُودًا مِنْهُ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَذَا اسْتَبْرِئِي

ــ

[التلويح]

مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ، ثُمَّ يُنْتَقَلُ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ نِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى مَلْزُومِهِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ فَتَطْلُقُ الْمَرْأَةُ عَلَى صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ، وَلَا يَكُونُ أَنْتِ بَائِنٌ بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مَا هُوَ شَأْنُ الْمَجَازِ لِيَلْزَمَ كَوْنُهُ رَجْعِيًّا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْكِنَايَةِ هُوَ اللَّازِمُ بِالْعَرَضِ وَالْمَلْزُومُ بِالذَّاتِ عَلَى مَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَكْتَفِي فِي الْكِنَايَةِ بِمُجَرَّدِ جَوَازِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ لَا يُقَالُ: اللَّازِمُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَازِمٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ فَلَا يُنْتَقَلُ مِنْهُ إلَى الْمَلْزُومِ مَا لَمْ يَصِرْ مُخْتَصًّا بِهِ حَتَّى يَكُونَ الِانْتِقَالُ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ، وَالْبَائِنُ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِلطَّلَاقِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَلَا مَلْزُومٍ لَهُ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِاللَّازِمِ هَاهُنَا مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ تَابِعِ الشَّيْءِ وَرَدِيفِهِ، وَقَدْ يَحْصُلُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ بِوَاسِطَةِ قَرِينَةٍ مِنْ عُرْفٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ إرَادَةُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فِي الْكِنَايَةِ فَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا، وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ، وَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ فِي الْوَاقِعِ حَتَّى إنَّ قَوْلَنَا: طَوِيلُ النِّجَادِ كِنَايَةٌ عَنْ طُولِ الْقَامَةِ أَوْ كَثِيرُ الرَّمَادِ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مِضْيَافًا لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ طُولِ النِّجَادِ لَهُ أَوْ كَثْرَةِ الرَّمَادِ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِصِفَةِ الْبَيْنُونَةِ، وَلِهَذَا جَعَلَ صَاحِبُ الْكَشْفِ تَفْسِيرَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ بِكِنَايَاتٍ إذْ لَيْسَ فِيهَا انْتِقَالٌ مِنْ لَازِمٍ إلَى مَلْزُومٍ بَلْ لَمْ يُنْتَقَلْ مِنْ مَعَانِيهَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْبَيْنُونَةُ وَالْحُرْمَةُ وَالْقَطْعُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَفِي مَحَلٍّ خَاصٍّ فِيهِ الِاسْتِتَارُ (قَوْلُهُ إلَّا فِي اعْتَدِّي) ، أَيْ تَطْلُقُ بِصِفَةِ الْبَيْنُونَةِ فِي الْكِنَايَاتِ إلَّا فِي اعْتَدِّي، وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك، وَأَنْتَ، وَاحِدَةٌ فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِهَا رَجْعِيٌّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَ كِنَايَاتٌ بِتَفْسِيرِ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا مَعَانِيهَا لِيُنْتَقَلَ مِنْهَا إلَى الطَّلَاقِ الْمَلْزُومِ إلَّا أَنَّهَا دَلَالَةٌ فِي مَعَانِيهَا عَلَى الْبَيْنُونَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ بَائِنٍ، وَحَرَامٍ، وَبَتَّةٍ، وَبَتْلَةٍ، وَبَيَانُ اللُّزُومِ أَنَّ قَوْلَهُ اعْتَدِّي يَحْتَمِلُ عُدِّي الدَّرَاهِمَ أَوْ الدَّنَانِيرَ أَوْ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْك أَوْ مَا يُعَدُّ مِنْ الْأَقْرَاءِ، وَالْمُرَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>