للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَنَابَةِ (وَبِالْبَاطِنِ فِي الصُّغْرَى) فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ؛ (لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] بِالتَّشْدِيدِ يَدُلُّ عَلَى التَّكَلُّفِ وَالْمُبَالَغَةِ لَا قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] أَوْ لِاسْتِعَارَةٍ بَدِيعَةٍ نَحْوُ {قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: ١٦] فَقَوْلُهُ أَوْ لِاسْتِعَارَةٍ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْمُشْكِلُ إمَّا لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا أَشْكَلَ هَذَا بِسَبَبِ الِاسْتِعَارَةِ؛ لِأَنَّ الْقَارُورَةَ تَكُونُ مِنْ الزُّجَاجِ لَا مِنْ الْفِضَّةِ فَالْمُرَادُ أَنَّ صَفَاءَهَا صَفَاءُ الزُّجَاجِ، وَبَيَاضَهَا

ــ

[التلويح]

الثَّانِي يُسَمَّى خَفِيًّا، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يُدْرَكَ الْمُرَادُ بِالْعَقْلِ أَوْ لَا: الْأَوَّلُ يُسَمَّى مُشْكِلًا، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يُدْرَكَ الْمُرَادُ بِالنَّقْلِ أَوْ لَا يُدْرَكَ أَصْلًا الْأَوَّلُ يُسَمَّى مُجْمَلًا، وَالثَّانِي مُتَشَابِهًا فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ مُتَبَايِنَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَالْمُشْكِلُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَشْكَلَ عَلَى كَذَا إذَا دَخَلَ فِي أَشْكَالِهِ وَأَمْثَالِهِ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِدَلِيلٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ، وَالْمُجْمَلُ مِنْ أَجْمَلَ الْحِسَابَ رَدَّهُ إلَى الْجُمْلَةِ، وَأَجْمَلَ الْأَمْرَ أَبْهَمَهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَفِيُّ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ.

قُلْنَا الْخَفَاءُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ فَوْقَ الْخَفَاءِ بِعَارِضٍ، فَلَوْ كَانَ الْخَفِيُّ مَا يَكُونُ خَفَاؤُهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ لَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِ مَرَاتِبِ الْخَفَاءِ فَلَمْ يَكُنْ مُقَابِلًا لِلظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْخَفَاءُ) أَيْ خَفَاءُ اللَّفْظِ فِيمَا خَفِيَ فِيهِ لِمَزِيَّةٍ لَهُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْحُكْمُ كَالطَّرَّارِ فَإِنَّهُ سَارِقٌ كَامِلٌ يَأْخُذُ مَعَ حُضُورِ الْمَالِكِ، وَيَقَظَتِهِ فَلَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى السَّارِقِ مِنْ الْبَيْتِ فِي مَعْنَى السَّرِقَةِ، وَهُوَ الْأَخْذُ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ فَيُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ لِنُقْصَانٍ فِي ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالنَّبَّاشِ فَإِنَّهُ نَاقِصٌ فِي مَعْنَى السَّرِقَةِ لِعَدَمِ الْمُحَافَظَةِ بِالْمَوْتَى فَلَا يُقْطَعُ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ إلْحَاقُ بَاطِنِ الْفَمِ بِالظَّاهِرِ فِي الْغَسْلِ حَتَّى يَجِبَ غَسْلُهُ، وَبِالْبَاطِنِ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى لَا يَجِبَ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ التَّطَهُّرَ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَنَابَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّكَلُّفِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّطْهِيرِ، وَذَلِكَ فِي غَسْلِ بَاطِنِ الْفَمِ دُونَ تَرْكِهِ؛ وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ الْكُبْرَى فَهِيَ بِالتَّخْفِيفِ أَلْيَقُ، وَتَرْكُ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا أَرْفَقُ، وَأَمَّا دَاخِلُ الْعَيْنِ فَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ يُورِثُ الْعَمَى فَأُلْحِقَ بِالْبَاطِنِ فِي الطَّهَارَتَيْنِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَى التَّطَهُّرِ مَعْلُومٌ لُغَةً، وَشَرْعًا إلَّا أَنَّهُ مُشْتَبِهٌ فِي حَقِّ دَاخِلِ الْفَمِ، وَالْأَنْفِ كَآيَةِ السَّرِقَةِ فِي الطَّرَّارِ، وَالنَّبَّاشِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْخَفِيِّ لَا الْمُشْكِلِ.

قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَعْلُومٌ شَرْعًا قَبْلَ الطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ، كَيْفَ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بَاقٍ بَعْدُ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَى التَّطَهُّرِ غَسْلُ جَمِيعِ ظَاهِرِ الْبَدَنِ إلَّا أَنَّ فِيهِ غُمُوضًا لَا يُعْلَمُ قَبْلَ الطَّلَبِ، وَالتَّأَمُّلُ أَنَّ جَمِيعَ ظَاهِرِ الْبَدَنِ هُوَ الْبَشَرَةُ وَالشَّعْرُ مَعَ دَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ أَوْ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ أَوْ لِاسْتِعَارَةٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا - قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: ١٥ - ١٦] ، أَيْ تَكَوَّنَتْ مِنْ فِضَّةٍ، وَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>