بَيَاضُ الْفِضَّةِ (، وَالْمُجْمَلُ كَآيَةِ الرِّبَا) فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّ الرِّبَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الْفَضْلُ، وَلَيْسَ كُلُّ فَضْلٍ حَرَامًا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ أَيُّ فَضْلٍ فَيَكُونُ مُجْمَلًا، ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرِّبَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ اُحْتِيجَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ لِيُعْرَفَ عِلَّةُ الرِّبَا وَالْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ (، وَالْمُتَشَابِهُ كَالْمُقَطَّعَاتِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ) ، وَالْيَدِ، وَالْوَجْهِ
ــ
[التلويح]
مَعَ بَيَاضِ الْفِضَّةِ وَحُسْنِهَا فِي صَفَاءِ الْقَوَارِيرِ وَشَفِيفِهَا فَاسْتَعَارَ الْقَوَارِيرَ لِمَا يُشْبِهُهَا فِي الصَّفَاءِ، وَالشَّفِيفِ اسْتِعَارَةَ الْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ، ثُمَّ جَعَلَهَا مِنْ الْفِضَّةِ مَعَ أَنَّ الْقَارُورَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الزُّجَاجِ فَجَاءَتْ اسْتِعَارَةً غَرِيبَةً بَدِيعَةً (قَوْلُهُ، وَالْمُجْمَلُ) وَهُوَ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ خَفَاءً لَا يُدْرَكُ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ الْمُجْمَلِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِتَزَاحُمِ الْمَعَانِي الْمُتَسَاوِيَةِ الْأَقْدَامِ كَالْمُشْتَرَكِ، أَوْ لِغَرَابَةِ اللَّفْظِ كَالْهَلُوعِ، أَوْ لِانْتِقَالِهِ مِنْ مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ إلَى مَا هُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ كَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالرِّبَا.
(قَوْلُهُ، وَالْمُتَشَابِهُ) وَهُوَ مَا خَفِيَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ وَلَا يُرْجَى دَرْكُهُ أَصْلًا كَالْمُقَطَّعَاتِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِثْلُ {الم} [البقرة: ١] سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِحُرُوفٍ يَجِبُ أَنْ يُقْطَعَ فِي التَّكَلُّمِ كُلٌّ مِنْهَا عَنْ الْآخَرِ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَتَسْمِيَتُهَا بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَاتِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَاتِهَا حُرُوفٌ أَوْ لِأَنَّ الْحَرْفَ يُطْلَقُ عَلَى الْكَلِمَةِ (قَوْلُهُ، وَالْيَدِ، وَالْوَجْهِ، وَنَحْوِهِمَا) مِثْلِ الْعَيْنِ، وَالْقَدَمِ، وَالسَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، وَالْمَجِيءِ، وَجَوَازِ الرُّؤْيَةِ بِالْعَيْنِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ النَّصُّ عَلَى ثُبُوتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى مَعَ الْقَطْعِ بِامْتِنَاعِ مَعَانِيهَا الظَّاهِرَةِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا فِي الشَّاهِدِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِتَنَزُّهِهِ عَنْ الْجِسْمِيَّةِ، وَالْجِهَةِ، وَالْمَكَانِ فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَشَابِهِ يُعْتَقَدُ حَقِّيَّتُهُ، وَلَا يُدْرَكُ كَيْفِيَّتُهُ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْمُقَطَّعَاتِ أَسْمَاءَ السُّوَرِ، وَالْوَجْهَ مَجَازًا عَنْ الرِّضَا، وَالْيَدَ عَنْ الْقُدْرَةِ، أَوْ يَجْعَلُ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ فِيهِ الْوَجْهُ وَالْيَدُ وَنَحْوُهُمَا تَمْثِيلًا لَا يُعْتَبَرُ فِي مُفْرَدَاتِهِ تَشْبِيهًا فَلَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَرُبَّمَا يَسْتَدِلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهَا صِفَاتٌ كَمَا فِي الشَّاهِدِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِهَا إلَّا أَنَّا قَاطِعُونَ بِامْتِنَاعِ الْجَارِحَةِ وَالْجِهَةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَتَكُونُ الْكَيْفِيَّةُ مَجْهُولَةً لَا يُرْجَى دَرْكُهَا.
وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا هُوَ كَمَالٌ فِي الْمَخْلُوقِ رُبَّمَا يَكُونُ نُقْصَانًا فِي الْخَالِقِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّسَتُّرَ عَمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلرُّؤْيَةِ وَالْكَرَامَةِ يَكُونُ مِنْ عَيْبٍ وَنُقْصَانٍ فِي الْمُتَسَتِّرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا.
فَيُجَابُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِامْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ أَوْ لِغَايَةِ الْعَظَمَةِ كَمَا قِيلَ:
وَلَا سَتْرَ إلَّا هَيْبَةٌ وَجَلَالٌ
وَالْحَقُّ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ ثُبُوتُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَتَكُونُ حَقًّا إلَّا أَنَّهُ لَا يُرْجَى دَرْكُ الْكَيْفِيَّةِ فَتَكُونُ مِنْ الْمُتَشَابِهِ، لَا يُقَالُ: الرُّؤْيَةُ لَا تَحْتَاجُ إلَى الْجِهَةِ وَالْمَسَافَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَانَا فَلَا تَكُونُ مِنْ الْمُتَشَابِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَلَامُ فِي الرُّؤْيَةِ بِالْعَيْنِ، وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ.
(قَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute