هِيَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْلُولِ فَيَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَعْلُولَ ثَابِتٌ بِعِبَارَةِ النَّصِّ الْمُثْبِتِ لِلْعِلَّةِ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْعِلَّةَ ثَابِتَةٌ بِعِبَارَةِ النَّصِّ الْمُثْبِتِ لِلْمَعْلُولِ فَتَبَيَّنَ مِنْ هَذِهِ الْأَبْحَاثِ حُدُودُ الْعِبَارَةِ، وَالْإِشَارَةِ، وَالِاقْتِضَاءِ، وَأَمَّا حَدُّ دَلَالَةِ النَّصِّ فَهُوَ قَوْلُهُ عَلَى الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ أَيْ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ يُوجَدُ فِيهِ مَعْنًى، يَفْهَمُ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْطُوقِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى يُسَمَّى دَلَالَةَ النَّصِّ نَحْوُ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ فَالضَّرْبُ شَيْءٌ يُوجَدُ فِيهِ الْأَذَى، وَالْأَذَى هُوَ مَعْنَى يَفْهَمُ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْحُرْمَةِ فِي الْمَنْطُوقِ، وَهُوَ التَّأْفِيفُ لِأَجْلِهِ، وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ أَنَّ الْمَعْنَى إنْ كَانَ عَيْنَ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْ جُزْأَهُ أَوْ لَازِمَهُ الْغَيْرَ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ فَعِبَارَةٌ إنْ سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَإِشَارَةٌ، إنْ لَمْ يُسَقْ وَإِنْ كَانَ لَازِمَهُ الْمُتَقَدِّمَ فَاقْتِضَاءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ وُجِدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى عِلَّةٌ يَفْهَمُ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْطُوقِ لِأَجْلِهَا فَدَلَالَةُ نَصٍّ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ أَصْلًا.
وَإِنَّمَا قُلْنَا يَفْهَمُ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ، أَوْ يَفْهَمُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَلَا دَلَالَةَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ إذْ الدَّلَالَةُ اللَّفْظِيَّةُ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِالْوَضْعِ، وَبِهَذَا الْقَيْدِ خَرَجَ الْقِيَاسُ فَإِنَّ الْمَعْنَى فِي الْقِيَاسِ لَا يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ فَإِنَّهُ لَا يَفْهَمُهُ إلَّا الْمُجْتَهِدُ هَذَا هُوَ نِهَايَةُ أَقْدَامِ التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَمْ يَسْبِقْنِي أَحَدٌ إلَى كَشْفِ الْغِطَاءِ عَنْ وُجُوهِ
ــ
[التلويح]
أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَوْنُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَعَدَمُ ذَلِكَ حَالَةَ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ مِنْ الثُّبُوتِ وَالِانْتِفَاءِ لَا حَالَةَ الْحُكْمِ وَالتَّكَلُّمِ، لِلْقَطْعِ بِأَنَّ قَوْلَنَا: قَتَلَ زَيْدٌ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ قَتِيلًا مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ.
وَقَوْلُنَا خَلَّفَ هَذَا الرَّجُلَ أَبُوهُ طِفْلًا يَتِيمًا حَقِيقَةٌ مَعَ أَنَّ الْقَتِيلَ حَالَ التَّكَلُّمِ بِهَذَا الْكَلَامِ قَتِيلٌ حَقِيقَةً وَالرَّجُلَ لَيْسَ بِطِفْلٍ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي جُعِلَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ قَوْلَنَا أَكْرِمْ الرَّجُلَ الَّذِي خَلَّفَهُ أَبُوهُ طِفْلًا حَقِيقَةٌ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» مَجَازٌ مَعَ أَنَّ الرَّجُلَ حَالَ إكْرَامِهِ لَيْسَ بِطِفْلٍ، وَالْقَتِيلَ حَالَ اسْتِحْقَاقِ قَاتِلِهِ سَلَبَهُ مَقْتُولٌ فَعَلَى هَذَا إضَافَةُ الدِّيَارِ وَالْأَمْوَالِ، أَيْضًا حَقِيقَةٌ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لَهُمْ حَالَ إخْرَاجِهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَالَ اسْتِحْقَاقِهِمْ السَّهْمَ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَإِنْ قُلْت الثَّابِتُ بِالْإِشَارَةِ هَاهُنَا مِنْ أَيِّ قِسْمٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ؟ قُلْت جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَبِيلِ جُزْءِ الْمَوْضُوعِ لَهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ مِلْكِ مَا خَلَّفُوا فِي الْحَرْبِ جُزْءٌ مِنْ مَعْنَى الْفَقْرَ، وَهُوَ عَدَمُ مِلْكِ شَيْءٍ مَا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِشَارَةِ هُوَ زَوَالُ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوا، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ جُزْءٌ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ شَيْئًا مَا بَلْ لَازِمٌ مُتَقَدِّمٌ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُمْ أَوَّلًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْفَقْرُ وَعَدَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute