وَالْكَفَّارَةُ جَزَاءُ الْفِعْلِ، وَفِي الْمُثْقِلِ الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْل فَأَوْجَبَتْ الْكَفَّارَةَ وَأَسْقَطَتْ الْقِصَاصَ فَإِنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ) يَعْنِي شُبْهَةَ الْخَطَأِ فِي قَتْلِ الْمُسْتَأْمَنِ إنَّمَا هِيَ فِي مَحَلِّ الْفِعْلِ لَا فِي الْفِعْلِ فَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْتَأْمَنِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ عَمْدٌ مَحْضٌ فَاعْتُبِرَتْ الشُّبْهَةُ فِيمَا هُوَ جَزَاءُ الْمَحَلِّ، وَالْقِصَاصُ جَزَاءُ الْمَحَلِّ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ حَتَّى لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ الْمُسْتَأْمَنِ، وَلَمْ تُعْتَبَرْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ فِيمَا هُوَ جَزَاءُ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فَلَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْمُسْتَأْمَنِ أَمَّا الْقَتْلُ بِالْمُثْقِلِ فَإِنَّ شُبْهَةَ الْخَطَأِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ فَاعْتُبِرَتْ فِيمَا هُوَ جَزَاءُ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ حَتَّى وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِيهِ، وَكَذَا اُعْتُبِرَتْ فِيمَا هُوَ جَزَاءُ الْفِعْلِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْقِصَاصُ حَتَّى لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشُّبْهَةَ مِمَّا تُثْبِتُ الْكَفَّارَةَ وَتُسْقِطُ الْقِصَاصَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْقِصَاصَ مِنْ وَجْهٍ جَزَاءُ الْمَحَلِّ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ جَزَاءُ الْفِعْلِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] ، وَكَوْنُهُ حَقًّا لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِيَكُونَ زَاجِرًا عَنْ هَدْمِ بُنْيَانِ الرَّبِّ، وَالزَّوَاجِرُ كَالْحُدُودِ، وَالْكَفَّارَاتُ إنَّمَا هِيَ أَجْزِيَةُ الْأَفْعَالِ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ جَزَاءُ الْفِعْلِ
(، وَالثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ إلَّا عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَهُوَ فَوْقَ
ــ
[التلويح]
وَجَبَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَحَاصِلُ جَوَابِهِ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْخَطَأِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُثْقِلَ لَيْسَ آلَةً لِلْقَتْلِ خِلْقَةً بَلْ لِلتَّأْدِيبِ، وَفِي التَّأْدِيبِ جِهَةٌ مِنْ الْإِبَاحَةِ، وَالشُّبْهَةُ تَكْفِي لِإِثْبَاتِ الْعِبَادَاتِ كَمَا تَكْفِي لِدَرْءِ الْعُقُوبَاتِ، وَحَاصِلُ السُّؤَالِ الثَّانِي الْمُطَالَبَةُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَتْلِ الْمَعْصُومِ بِالْمُثْقِلِ، وَقَتْلِ الْمُسْتَأْمَنِ بِالسَّيْفِ حَيْثُ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي مَعَ عَدَمِ الْقِصَاصِ فِيهِمَا لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِ الشَّيْءِ أَوْ إسْقَاطِهِ إذَا تَمَكَّنَتْ فِيمَا يُقَابِلُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَالْقِصَاصُ مُقَابِلٌ لِلْفِعْلِ مِنْ جِهَةٍ، وَلِلْمَحَلِّ مِنْ جِهَةٍ فَيَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْآلَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِتَتْمِيمِ الْقُدْرَةِ النَّاقِصَةِ فَتَدْخُلُ فِي فِعْلِ الْعَبْدِ، وَتَصِيرُ الشُّبْهَةُ فِيهَا شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ، وَبِالشُّبْهَةِ فِي الْمَحَلِّ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُسْتَأْمَنِ فَإِنَّ دَمَهُ لَا يُمَاثِلُ دَمَ الْمُسْلِمِ فِي الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَكَأَنَّهُ فِيهَا، وَالْكَفَّارَةُ تُقَابِلُ الْفِعْلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الزَّوَاجِرَ أَجْزِئَةُ الْأَفْعَالِ فَتَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ لَا فِي الْمَحَلِّ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُسْتَأْمَنِ.
١ -
(قَوْلُهُ وَالثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ) اعْلَمْ أَنَّ الثَّابِتَ بِالْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ سَوَاءٌ فِي الثُّبُوتِ بِالنَّظْمِ وَفِي الْقَطْعِيَّةِ أَيْضًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ التَّعَارُضِ تُقَدَّمُ الْعِبَارَةُ عَلَى الْإِشَارَةِ لِمَكَانِ الْقَصْدِ بِالسَّوْقِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي النِّسَاءِ «إنَّهُنَّ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ، وَدِينٍ» الْحَدِيثُ سِيقَ لِبَيَانِ نُقْصَانِ دِينِهِنَّ، وَفِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute