مَشْرُوعَةٌ، وَالْكَذِبَ حَرَامٌ فَأَمَّا الْعَمْدُ وَالْغَمُوسُ فَكَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَهِيَ لَا تُلَائِمُ الْعِبَادَةَ، وَهِيَ تَمْحُو الصَّغَائِرَ لَا الْكَبَائِرَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ مَحْضٌ) هَذَا إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَإِنَّ الْقَتْلَ بِالْمُثْقِلِ حَرَامٌ مَحْضٌ فَيَجِبُ أَنْ لَا تَجِبَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ (قُلْنَا فِيهِ شُبْهَةُ الْخَطَأِ) أَيْ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ شُبْهَةُ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِآلَةِ الْقَتْلِ (وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ (مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَتَجِبُ بِشُبْهَةِ السَّبَبِ) ، وَالسَّبَبُ الْقَتْلُ الْخَطَأُ (فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ فِيمَا إذَا قَتَلَ مُسْتَأْمَنًا عَمْدًا فَإِنَّ الشُّبْهَةَ قَائِمَةٌ) هَذَا إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ شُبْهَةُ الْخَطَأِ فَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْتَأْمَنِ فِيهِ شُبْهَةُ الْخَطَأِ بِسَبَبِ الْمَحَلِّ فَإِنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ فَظَنَّهُ مَحَلًّا يُبَاحُ قَتْلُهُ كَمَا إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا، وَإِذَا كَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الْخَطَأِ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِشُبْهَةِ الْخَطَأِ
(قُلْنَا الشُّبْهَةُ فِي مَحَلِّ الْفِعْلِ فَاعْتُبِرَتْ فِي الْقَوَدِ فَإِنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْمَحَلِّ مِنْ وَجْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] فَأَمَّا الْفِعْلُ فَعَمْدٌ خَالِصٌ
ــ
[التلويح]
تِلْكَ الْجِنَايَةُ أَكْمَلُ مِنْ الْجِنَايَةِ بِدُونِ الْقَصْدِ كَالْقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِنَقْضِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا فَقَطْ كَالْجَرْحِ بِدُونِ السِّرَايَةِ أَوْ بَاطِنًا فَقَطْ كَالْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ، وَإِذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ أَكْمَلَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْجَزَاءُ الْأَكْمَلُ، وَيَخْتَصُّ بِهَا لِيَقَعَ كَمَالُ الْجَزَاءِ فِي مُقَابَلَةِ كَمَالِ الْجِنَايَةِ.
(قَوْلُهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا) أَيْ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتُضَافَ الْعُقُوبَةُ إلَى الْحَظْرِ، وَالْعِبَادَةُ إلَى الْإِبَاحَةِ فَيَقَعُ الْأَثَرُ عَلَى وَفْقِ الْمُؤَثِّرِ فَفِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ مِنْ جِهَةِ الرَّمْيِ إلَى صَيْدٍ أَوْ كَافِرٍ، وَمَعْنَى الْحَظْرِ مِنْ جِهَةِ تَرْكِ التَّشَبُّثِ، وَإِصَابَةِ الْإِنْسَانِ الْمَعْصُومِ، وَفِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا عَقْدٌ مَشْرُوعٌ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَفِيهَا تَعْظِيمُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَى الْحَظْرِ مِنْ جِهَةِ الْحِنْثِ وَالْكَذِبِ، وَالدَّائِرُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ يَكُونُ صَغِيرَةً فَتَمْحُوهَا الْعِبَادَةُ الَّتِي هِيَ الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] بِخِلَافِ الْعَمْدِ، وَالْغَمُوسِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ فَلَا تَمْحُوهَا الْعِبَادَةُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ» فَإِنَّ الْمُرَادَ لِمَا بَيْنَهُنَّ هُوَ الصَّغَائِرُ بِقَرِينَةِ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ فَإِنْ قِيلَ: الْكِتَابُ عَامٌّ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. قُلْنَا: قَدْ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ كَالشِّرْكِ بِاَللَّهِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ هُوَ الْكِتَابُ، وَالْإِجْمَاعُ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنْ قِيلَ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ الْكَفَّارَةُ بِالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ قُلْنَا إنَّمَا، وَجَبَتْ بِالْإِفْطَارِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ، وَفِيهِ جِهَةُ الْإِبَاحَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ يَقْضِي بِهِ الشَّهْوَةَ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ:) حَاصِلُ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَتْلَ بِالْمُثْقِلِ حَرَامٌ مَحْضٌ فَكَيْفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute