افْتِعَالٌ مِنْ النَّهْكِ، وَهُوَ الْقَطْعِ يُقَالُ: سَيْفٌ نَهِيكٌ أَيْ قَاطِعٌ، وَمَعْنَاهُ قَطْعُ الْحُرْمَةِ بِمَا لَا يَحِلُّ، فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ: الِانْتِهَاكُ حُرْمَةُ كَسِيِّ شكستن (الضَّرْبُ) خَبَرَانِ (بِمَا لَا يُطِيقُهُ الْبَدَنِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَعْنَى جُرْحٌ يَنْقُضُ الْبِنْيَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ الْجِنَايَةُ قَصْدًا عَلَى النَّفْسِ الْحَيَوَانِيَّةِ الَّتِي بِهَا الْحَيَاةُ فَتَكُونُ أَكْمَلَ وَكَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ بِدَلَالَةِ نَصٍّ وَرَدَ فِي الْخَطَأِ، وَالْمَعْقُودَةِ) أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْكَفَّارَةَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ بِدَلَالَةِ نَصٍّ وَرَدَ فِي الْخَطَأِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] ، وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ بِدَلَالَةِ نَصٍّ وَرَدَ فِي الْمَعْقُودَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: ٨٩] الْآيَةَ (لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَ الْقَتْلُ الْخَطَأُ الْكَفَّارَةَ مَعَ وُجُودِ الْعُذْرِ فَأَوْلَى أَنْ تَجِبَ، بِدُونِهِ، وَإِذَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الْمَعْقُودَةِ إذَا كَذَبَتْ فَأَوْلَى أَنْ تَجِبَ فِي الْغَمُوسِ وَهِيَ كَاذِبَةٌ فِي الْأَصْلِ، لَكِنَّا نَقُولُ: الْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ لِيَصِيرَ ثَوَابُهَا جَبْرًا لِمَا اُرْتُكِبَ فَلِهَذَا تُؤَدَّى بِالصَّوْمِ، وَفِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَإِنَّهَا جَزَاءٌ يَزْجُرُهُ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ كَقَتْلِ الْخَطَأِ وَالْمَعْقُودَةِ فَإِنَّ الْيَمِينَ
ــ
[التلويح]
بِأَنَّ زِيَادَةَ اللِّوَاطَةِ عَنْ الزِّنَا فِي الْحُرْمَةِ غَيْرُ نَافِعٍ فِي إيجَابِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ بَعْضِ أَجْزَاءِ عِلَّةِ الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ مَعَ نُقْصَانِ الْبَعْضِ كَالشَّهْوَةِ وَسَفْحِ الْمَاءِ، وَانْتِفَاءُ الْبَعْضِ كَهَلَاكِ الْبَشَرِ، وَإِفْسَادِ الْفِرَاشِ، وَاشْتِبَاهِ النَّسَبِ لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِيهِ كَشُرْبِ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ فَوْقَ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لَا تَزُولُ أَبَدًا، وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ تَزُولُ بِالتَّخْلِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ.
(قَوْلُهُ لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ) فَعَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ أَنْ لَا قِصَاصَ إلَّا بِسَبَبِ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ يَثْبُتُ الْقِصَاصُ بِالْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلْقِصَاصِ هُوَ الضَّرْبُ بِمَا لَا يُطِيقُهُ الْبَدَنُ سَوَاءٌ كَانَ بِالْجَارِحِ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ الضَّرْبُ بِالْمُثْقِلِ أَبْلَغُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُزْهِقُ الرُّوحَ بِنَفْسِهِ، وَالْجُرْحُ بِوَاسِطَةِ السِّرَايَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ الْمُوجِبِ هُوَ هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ، وَلِهَذَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ هُوَ الْجُرْحُ الَّذِي يَنْقُضُ الْبِنْيَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ ظَاهِرًا، أَيْ بِالْجَرْحِ، وَتَخْرِيبِ الْجُثَّةِ، وَبَاطِنًا أَيْ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ، وَإِفْسَادِ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ، أَيْ عِنْدَ نَقْضِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَقَعُ الْجِنَايَةُ قَصْدًا عَلَى النَّفْسِ الْحَيَوَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْبُخَارُ اللَّطِيفُ الَّذِي يَتَكَوَّنُ مِنْ أَلْطَفِ أَجْزَاءِ الْأَغْذِيَةِ، وَيَكُونُ سَبَبًا لِلْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ، وَقِوَامًا لِلْحَيَاةِ، وَهِيَ صِفَةٌ تَقْتَضِي الْحِسَّ وَالْحَرَكَةَ، وَاحْتُرِزَ بِهَذَا عَنْ النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي لَا تَفْنَى بِخَرَابِ الْبَدَنِ فَتَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute