الْعَادَةِ إلَخْ.
(وَلِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ هَذَا الْوَصْفِ نَحْوُ فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ فَيَقْتَضِي الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَعِنْدَنَا لَا يَدُلُّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذُكِرَ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ ذَكَرُوا فِي شَرَائِطِهِ أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْعَادَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِسُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ أَوْ عِلْمِ الْمُتَكَلِّمِ بِأَنَّ السَّامِعَ يَجْهَلُ هَذَا الْحُكْمَ الْمَخْصُوصَ فَجَعَلُوا مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ بِالْحُكْمِ مُنْحَصِرَةً فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَفِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ عُلِمَ أَنَّ التَّخْصِيصَ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَأَقُولُ: إنَّ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ لَا تَنْحَصِرُ فِي تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ (نَحْوُ: الْجِسْمُ الطَّوِيلُ الْعَرِيضُ الْعَمِيقُ مُتَحَيِّزٌ) فَإِنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُوجَدُ فِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ يَلْزَمُ أَنَّ الْجِسْمَ الَّذِي لَا يُوجَدُ
ــ
[التلويح]
عَلَى إثْبَاتِ مَذْهَبِهِ بِإِبْطَالِ أَدِلَّةِ الْخَصْمِ بَلْ بَعْضِهَا فَلَا يَكُونُ مُوَجَّهًا قُلْت إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ دَعْوَى ثُبُوتِ الشَّيْءِ، وَالْمَطْلُوبُ مَنْعُ ذَلِكَ وَنَفْيُهُ، كَفَى فِي الْمَطْلُوبِ رَدُّ مَا ذَكَرَهُ الْحَصْمُ مِنْ الْأَدِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُنْتَفٍ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ رَدِّ الْبَعْضِ لِظُهُورِهِ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا عَلَى مَذْهَبِهِ لِمَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قُلْت أَوَّلُ شَرَائِطِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنْ لَا يُظْهِرَ أَوْلَوِيَّةً وَلَا مُسَاوَاةً عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أَيْضًا فَكَيْفَ ادَّعَى أَنَّهُمْ حَصَرُوا مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ؟ قُلْت؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْأَوْلَوِيَّةِ أَوْ الْمُسَاوَاةِ، وَإِنْ شُرِطَ عَدَمُهُ فِي الْمَفْهُومِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُوجِبًا لِلتَّخْصِيصِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ نَحْوُ {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: ٣٨] ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّ مَعْنَى زِيَادَةِ " فِي الْأَرْضِ " وَ " يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ " هُوَ زِيَادَةُ التَّعْمِيمِ وَالْإِحَاطَةِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ قَطُّ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِينَ السَّبْعِ، وَمَا مِنْ طَائِرٍ قَطُّ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مِنْ جَمِيعِ مَا يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَحْفُوظَةٌ أَحْوَالُهَا غَيْرُ مُهْمَلٍ أَمْرُهَا، وَقَالَ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ ذَكَرَ فِي الْأَرْضِ مَعَ دَابَّةٍ، وَيَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ مَعَ طَائِرٍ لِبَيَانِ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ لَفْظِ دَابَّةٍ وَلَفْظِ طَائِرٍ إنَّمَا هُوَ إلَى الْجِنْسَيْنِ، وَإِلَى تَقْرِيرِهِمَا يَعْنِي أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ حَامِلٌ لِمَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ، وَالْوَحْدَةِ فَإِذَا شُفِعَ بِمَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْجِنْسِ دُونَ الْفَرْدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ بِهِ إنَّمَا هُوَ إلَى الْجِنْسِ لَا لِفَرْدٍ، وَالْمَعْنَى الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَلَامَ الْمِفْتَاحِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا ذُكِرَ الْوَصْفُ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ دَابَّةً مَخْصُوصَةً بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ قَطْعًا بِدُونِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ لَا سِيَّمَا مَعَ مِنْ الِاسْتِقْرَائِيَّة قَطْعِيَّةٌ فِي الْعُمُومِ وَالِاسْتِغْرَاقِ لَا تَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ أَصْلًا بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ.
(قَوْلُهُ فَلَمْ يُوجَدْ الْجَزْمُ) تَقْرِيرُ الْكَلَامِ أَنَّ دَلَالَةَ التَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute