للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ ذَلِكَ الْوَصْفُ لَا يَكُونُ مُتَحَيِّزًا، وَهَذَا مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْجِسْمَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِنَّمَا وَصَفَهُ تَعْرِيفًا لِلْجِسْمِ، وَإِشَارَةً إلَى أَنَّ عِلَّةَ التَّحَيُّزِ هَذَا الْوَصْفُ.

(وَكَالْمَدْحِ، أَوْ الذَّمِّ) فَإِنَّهُ قَدْ يُوصَفُ الشَّيْءُ لِلْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ، وَلَا يُرَادُ بِالْوَصْفِ نَفْيُ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ مَعَ أَنَّ الْأُمُورَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ، وَقَوْلُهُ كَالْمَدْحِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ نَحْوِ الْجِسْمِ أَيْ مُوجِبَاتُ التَّخْصِيصِ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَ نَحْوُ: الْجِسْمُ إلَخْ، وَنَحْوُ: الْمَدْحُ وَالذَّمُّ فَإِنَّ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَشْيَاءُ أُخَرُ غَيْرُ مَا ذَكَرُوا (أَوْ التَّأْكِيدُ نَحْوُ: أَمْسُ الدَّابِرُ لَا يَعُودُ أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ التَّأْكِيدَ (نَحْوُ {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ} [الأنعام: ٣٨] فَلَمْ يُوجَدْ الْجَزْمُ بِأَنَّ كُلَّ الْمُوجِبَاتِ مَنْفِيَّةٌ إلَّا نَفْيَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ) فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ} [الأنعام: ٣٨] ، وَصَفَ الدَّابَّةَ بِكَوْنِهَا فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُرَادُ نَفْيُ الْحُكْمِ بِدُونِ ذَلِكَ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْأَرْضِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمِفْتَاحِ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَهَا بِكَوْنِهَا فِي الْأَرْضِ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ دَابَّةً مَخْصُوصَةً بَلْ كُلُّ مَا يَدِبُّ فِي الْأَرْضِ فَعُلِمَ أَنَّ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ، وَفَوَائِدَهُ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ فَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ بِأَنَّ كُلَّ مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ مُنْتَفِيَةٌ إلَّا نَفْيَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، وَمَا ذَكَرُوا مِنْ اسْتِقْبَاحِ الْعُقَلَاءِ فَلِأَنَّهُمْ

ــ

[التلويح]

عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ مَشْرُوطَةٌ بِالْجَزْمِ بِأَنْ لَا مُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ سِوَى ذَلِكَ، وَالشَّرْطُ مُنْتَفٍ دَائِمًا فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْمَشْرُوطِ دَائِمًا أَمَّا الِاشْتِرَاطُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ الشَّرْطِ دَائِمًا فَلِأَنَّ فَوَائِدَ الْوَصْفِ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ، وَلَا مَضْبُوطَةٍ خُصُوصًا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ يَعْجِزُ عَنْ إدْرَاكِهَا فَهْمُ الْعُقَلَاءِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَحْصُورَةً مَعْلُومَةً لَمْ يَحْصُلْ الْجَزْمُ بِانْتِفَاءِ الْجَمِيعِ سِوَى الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، وَهَاهُنَا نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ مَا نَقَلَهُ مِنْ أَنَّهُمْ حَصَرُوا مُوجِبَاتِ التَّخْصِيصِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ سَهْوٌ ظَاهِرٌ لِمَا ذُكِرَ فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَغَيْرِهِ أَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُظْهِرَ أَوْلَوِيَّةً وَلَا مُسَاوَاةً، وَلَا يَخْرُجَ مَخْرَجَ الْأَغْلَبِ، وَلَا لِسُؤَالٍ، وَلَا لِحَادِثَةٍ، وَلَا تَقْرِيرِ جَهَالَةٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ، وَلَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْوَصْفِ فَائِدَةٌ أُخْرَى أَصْلًا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْوَصْفَ لِلْكَشْفِ أَوْ الْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ أَوْ التَّأْكِيدِ لَيْسَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ فِي شَيْءٍ؛ لِمَا عَرَفْت فَكَأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ ذِكْرُ الْوَصْفِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْوَصْفُ الَّذِي يَكُونُ لِلتَّخْصِيصِ، أَيْ نَقْصُ الشُّيُوعِ، وَتَقْلِيلُ الِاشْتِرَاكِ، وَأَمَّا ثَالِثًا؛ فَلِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ لَهُمْ فِي أَنَّ الْمَفْهُومَ ظَنِّيٌّ يُعَارِضُهُ الْقِيَاسُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْجَزْمِ بِانْتِفَاءِ الْمُوجِبَاتِ الْأُخَرِ بَلْ يَكْفِي الظَّنُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>