للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ (بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: ٩٧] أَيْ فِعْلُهُ (وَعَلَى الْفَرْعِ) ، وَهُوَ أَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْإِيجَابِ (بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» قُلْنَا لَيْسَ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ وَلَمْ يَقُلْ افْعَلْ يَصِحُّ نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ الْأَمْرِ أَيْ يَصِحُّ لُغَةً، وَعُرْفًا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ، وَمِنْ هَذَا الدَّلِيلِ ظَهَرَ أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي

ــ

[التلويح]

الْخَبَرِ فَإِنْ قُلْت فَفِي مِثْلِ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: ٢٣٣] الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ مَجَازٌ عَنْ الْأَمْرِ هُوَ مَجْمُوعُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ أَمْ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَحْدَهُ قُلْت مَيْلُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ إلَى الثَّانِي، وَأَنَّ الْمَعْنَى، وَالْوَالِدَاتُ لِيُرْضِعْنَ، وَبَعْضُهُمْ يَمِيلُونَ إلَى الْأَوَّلِ زَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ لَا يَكُونُ جُمْلَةً إنْشَائِيَّةً، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ.

(قَوْلُهُ، وَأَمَّا الْإِنْشَاءُ) فَهُوَ إمَّا طَلَبِيٌّ أَوْ غَيْرُ طَلَبِيٍّ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْهُمَا فِي بَحْثِ إفَادَةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ إذْ بِهِمَا يَثْبُتُ أَكْثَرُ الْأَحْكَامِ وَعَلَيْهِمَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ وَلِهَذَا صُدِّرَ بَعْضُ كُتُبِ الْأُصُولِ بِبَابِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَحَقُّ مَا يُبْتَدَأُ بِهِ فِي الْبَيَانِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الِابْتِلَاءِ بِهِمَا، وَبِمُعْرِفَتِهِمَا يَتِمُّ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ، وَيَتَمَيَّزُ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَإِنَّمَا قَالَ: هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي هُوَ الِاسْتِفْهَامُ لِكَثْرَةِ مَبَاحِثِهِ.

(قَوْلُهُ فَالْأَمْرُ قَوْلُ الْقَائِلِ اسْتِعْلَاءً) أَيْ عَلَى سَبِيلِ طَلَبِ الْعُلُوِّ وَعَدِّ نَفْسَهُ عَالِيًا افْعَلْ، وَاحْتَرَزَ بِقَيْدِ الِاسْتِعْلَاءِ عَنْ الدُّعَاءِ، وَالِالْتِمَاسِ مِمَّا هُوَ بِطَرِيقِ الْخُضُوعِ أَوْ التَّسَاوِي، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعُلُوَّ لِيَدْخُلَ فِيهِ قَوْلُ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى افْعَلْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ وَلِهَذَا يُنْسَبُ إلَى سُوءِ الْأَدَبِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ مَاذَا تَأْمُرُونَ مَجَازًا، أَيْ تُشِيرُونَ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ افْعَلْ مَا يَكُونُ مُشْتَقًّا مِنْ مَصْدَرِهِ عَلَى طَرِيقَةِ اشْتِقَاقِ افْعَلْ مِنْ الْفِعْلِ، ثُمَّ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْأَمْرَ يُطْلَقُ عَلَى نَفْسِ صِيغَةِ افْعَلْ صَادِرَةً عَنْ الْقَائِلِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ، وَعَلَى التَّكَلُّمِ بِالصِّيغَةِ وَطَلَبِ الْفِعْلِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعْلَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَمْرُ اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ غَيْرِ كَفٍّ عَنْ النَّهْيِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ نَحْوُ اُكْفُفْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ غَيْرُ كَفٍّ عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي اُشْتُقَّتْ مِنْهُ صِيغَةُ الِاقْتِضَاءِ، وَبِاعْتِبَارِ الثَّانِي، وَهُوَ كَوْنُ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ يُشْتَقُّ مِنْهُ الْفِعْلُ وَغَيْرُهُ مِثْلُ أَمَرَ يَأْمُرُ، وَالْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَا الْقَوْلُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْمَقُولِ، وَبِمَعْنَى الْمَصْدَرِ فَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ يُمْكِنُ تَطْبِيقُهُ عَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَنْسَبُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ، وَالنَّهْيَ مِنْ أَقْسَامِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِنْشَاءُ قِسْمًا مِنْ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ اصْطِلَاحُ الْعَرَبِيَّةِ فَالتَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ عِنْدَهُمْ أَمْرٌ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى طَرِيقَ الِاسْتِعْلَاءِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ أُرِيدَ اصْطِلَاحُ الْأُصُولِ فَغَيْرُ مَانِعٍ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ قَدْ يَكُونُ لِلتَّهْدِيدِ وَالتَّعْجِيزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ بِأَمْرٍ، لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>