للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ مَصْدَرٌ لَيْسَ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لَيْسَ بِمَعْنَى الشَّأْنِ.

(، وَتَسْمِيَتُهُ أَمْرًا مَجَازٌ إذْ الْفِعْلُ يَجِبُ بِهِ) قَوْلُهُ إذْ الْفِعْلُ إلَخْ بَيَانٌ لِعَلَاقَةِ الْمَجَازِ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالْفِعْلِ (سَلَّمْنَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ) أَيْ فِي الْفِعْلِ (لَكِنَّ الدَّلَائِلَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ لِلْإِيجَابِ لَا الْفِعْلِ) أَيْ الدَّلَائِلُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْقَوْلِيَّ لِلْإِيجَابِ لَا الْفِعْلِ

ــ

[التلويح]

صِيغَةُ افْعَلْ مُرَادًا بِهَا مَا يَتَبَادَرُ مِنْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَيْدُ الِاسْتِعْلَاءِ مُسْتَدْرَكًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنْ قِيلَ: وَيَرِدُ عَلَى عَكْسِ التَّعْرِيفِ قَوْلُ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى افْعَلْ تَبْلِيغًا أَوْ حِكَايَةً عَنْ الْآمِر الْمُسْتَعْلِي فَإِنَّهُ أَمْرٌ، وَلَيْسَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعْلَاءِ مِنْ الْقَائِل؟ قُلْنَا: مِثْلُهُ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ مَقُولُ هَذَا الْقَائِلِ الْأَدْنَى بَلْ مَقُولُ الْمُبَلَّغِ عَنْهُ، وَفِيهِ اسْتِعْلَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ.

(قَوْلُهُ، وَالْأَمْرُ حَقِيقَةٌ) أَعَادَ صَرِيحَ اللَّفْظِ دُونَ الْكِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ الِاسْمَ دُونَ الْمُسَمَّى كَمَا يُقَالُ: الْأَسَدُ حَقِيقَةٌ فِي السَّبُعِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ، يَعْنِي أَنَّ أَمَرَ حَقِيقَةٌ فِي صِيغَةِ افْعَلْ اسْتِعْلَاءً بِالِاتِّفَاقِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ مَجَازًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَحَقِيقَةً عِنْدَ الْبَعْضِ حَتَّى يَكُونَ مُشْتَرَكًا فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ إلَى أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالشَّيْءِ وَالْفِعْلِ، وَالصِّفَةِ وَالشَّأْنِ لِتَبَادُرِ الذِّهْنِ عِنْدَ إطْلَاقِهِ إلَى هَذِهِ الْأُمُورِ، وَرُدَّ بِالْمَنْعِ بَلْ يَتَبَادَرُ إلَى الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ، وَقِيلَ: هُوَ حَقِيقَةٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَعْنِي مَفْهُومَ أَحَدِهِمَا دَفْعًا لِلْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ، وَهُوَ قَوْلٌ حَادِثٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ، أَيْضًا فَالْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى كَوْنِ الْأَمْرِ لِلْإِيجَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى الْإِيجَابِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ أَمْرٌ وَكُلُّ أَمْرٍ لِلْإِيجَابِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ لِيَكُونَ قَوْلُنَا كُلُّ أَمْرٍ شَامِلًا لِلْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَالْقَوْلُ بِكَوْنِ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْإِيجَابِ فَرْعٌ عَلَى كَوْنِهِ أَمْرًا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلٌ فَإِنْ كَانَ سَهْوًا أَوْ طَبْعًا أَوْ خَاصًّا بِهِ فَلَا يُجَابُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ حَقِيقَةً أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ الْبَعْضُ نَعَمْ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَلِلْمُخَالِفِينَ مَقَامَانِ: أَحَدُهُمَا الْأَصْلُ، وَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ أَمْرٌ، وَالثَّانِي مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْإِيجَابِ فَاحْتَجُّوا عَلَى الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: ٩٧] ، أَيْ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِالرَّشِيدِ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: ٣٨] {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٢] {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود: ٧٣] ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا عَنْ الْفَرْعِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» قَالَهُ حِينَ شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهَا مُرَتَّبَةً فَثَبَتَ بِهَذَا النَّفْيِ أَنَّ فِعْلَهُ وَاجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>