بِالْمُوجَبِ هُنَا الْأَثَرُ الْحَاصِلُ بِالْقَطْعِ فِي مَحَلِّهِ (فَصَارَ كَمَا إذَا قَتَلَهُ بِضَرِبَاتٍ، قُلْنَا هَذَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى) أَيْ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ أَنَّ الْقَتْلَ أَتَمَّ أَثَرَ الْقَطْعِ فَاتَّحَدَ الْجِنَايَةُ فَيَتَّحِدُ مُوجَبُهُمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى (أَمَّا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ فِي جَزَاءِ الْفِعْلِ فَلَا) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ، وَهُوَ الْقَطْعُ، وَالْقَتْلُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ مُتَعَدِّدٌ فَيَتَعَدَّدُ مَا هُوَ جَزَاءُ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْقِصَاصُ (وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي جَزَاءِ الْمَحَلِّ) أَيْ إنَّمَا يَدْخُلُ ضَمَانُ الْجُزْءِ فِي ضَمَانِ الْكُلِّ فِيمَا هُوَ جَزَاءُ الْمَحَلِّ (كَمَا يَدْخُلُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فِي دِيَةِ الشَّعْرِ) ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ جَزَاءُ الْمَحَلِّ (وَالْقَتْلُ قَدْ يَمْحُو أَثَرَ الْقَطْعِ كَمَا يُتِمُّ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] جَعَلَ الْقَتْلَ مَاحِيًا
ــ
[التلويح]
الْمَوْضِعَيْنِ لَا بَيَانُ اخْتِلَافِهِمَا بِالْمَفْهُومِ.
(قَوْلُهُ: وَالْقَتْلُ قَدْ يَمْحُو أَثَرَ الْقَطْعِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَحَلَّ يَفُوتُ بِهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِتْمَامُ، وَالسِّرَايَةُ بَعْدَ فَوَاتِ الْمَحَلِّ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) يَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْمِثْلُ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ، وَالْخَلْفُ إنَّمَا يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الْأَصْلُ، وَهُوَ الْغَصْبُ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْقِيمَةِ لِلْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الْمِثْلِ، وَذَلِكَ بِالِانْقِطَاعِ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ آخِرَ يَوْمٍ كَانَ مَوْجُودًا فِي أَيْدِي النَّاسِ فَالْقَطْعُ
(قَوْلُهُ: فَلَا تُضْمَنُ الْمَنَافِعُ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ) قَيَّدَ بِالْمُتَقَوِّمِ تَنْصِيصًا عَلَى مَا وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ، وَهُوَ أَنَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُضْمَنُ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ، وَتَوْطِئَةً لِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ فَإِنَّهُ يَقُومُ عَلَى سَلْبِ التَّقَوُّمِ عَنْ الْمَنَافِعِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَالًا أَوْ لَمْ تَكُنْ اقْتِصَارًا عَلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْمُمَاثَلَةِ بِانْتِفَاءِ التَّقَوُّمِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مِلْكٌ لَا مَالٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَصَرَّفَ فِيهِ بِوَصْفِ الِاخْتِصَاصِ، وَالْمَالُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدَّخَرَ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَقْتَ الْحَاجَةِ، وَالتَّقَوُّمُ يَسْتَلْزِمُ الْمَالِيَّةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالْمِلْكِيَّةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَعِنْدَهُ مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ بِأَنْ يَمْسِكَ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ مُدَّةً وَلَا يَسْتَعْمِلُهَا، وَبِالْإِتْلَافِ بِأَنْ يَسْتَخْدِمَ الْعَبْدَ، وَيَرْكَبَ الدَّابَّةَ، وَيَسْكُنَ الدَّارَ مَثَلًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ عَرَضٌ، وَالْعَرَضُ غَيْرُ بَاقٍ، وَغَيْرُ الْبَاقِي غَيْرُ مُحْرَزٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَازَ هُوَ الصِّيَانَةُ، وَالِادِّخَارُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَقَاءِ لَا مَحَالَةَ.
وَمَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ كَالصَّيْدِ، وَالْحَشِيشِ فَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ فَلَا تَكُونُ مِثْلًا لِلْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ فَلَا يَقْضِي إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ، وَعَلَى عَدَمِ بَقَاءِ الْإِعْرَاضِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ انْعِدَامَ الْأَلْوَانِ فِي كُلِّ آنٍ، وَتَجَدُّدُ أَمْثَالِهَا بِمَنْزِلَةِ انْعِدَامِ الْأَعْيَانِ، وَحُدُوثِ أَمْثَالِهَا فِي كُلِّ آنٍ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ سَفْسَطَةٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَخُصَّ الْحُكْمَ بِالْأَعْرَاضِ الْمُتَصَرِّمَةِ مِثْلَ الْمَنَافِعِ مَثَلًا، وَأَيْضًا لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: بَلْ التَّقَوُّمُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِيَّةِ، وَإِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَنَافِعِ إذْ بِهَا إقَامَةُ الْمَصَالِحِ، وَتَقْضِيَةُ الْحَوَائِجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute