اضْطِرَارِيٌّ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّرْكِ لَا يَكُونُ بِاخْتِيَارِهِ إذْ لَوْ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ أَمْ لَا فَإِمَّا أَنْ يَتَسَلْسَلَ أَوْ يَنْتَهِيَ إلَى الِاضْطِرَارِ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَرْكِهِ فَفِعْلُهُ إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى مُرَجِّحٍ يَكُونُ اتِّفَاقِيًّا وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِالْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ اتِّفَاقًا، وَأَيْضًا يَكُونُ رُجْحَانًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى مُرَجِّحٍ يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ؛ لِأَنَّا فَرَضْنَاهُ مُرَجِّحًا تَامًّا أَيْ جُمْلَةَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ
ــ
[التلويح]
الْجَوْهَرُ، وَقَائِمَانِ بِهِ فَلَا مَعْنَى لِقِيَامِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ غَايَتُهُ أَنَّ قِيَامَهُ بِالْجَوْهَرِ مَشْرُوطٌ بِقِيَامِ الْآخَرِ بِهِ، وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْقِيَامِ اخْتِصَاصُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ بِحَيْثُ يَصِيرُ أَحَدُهُمَا مَنْعُوتًا، وَيُسَمَّى مَحَلًّا، وَالْآخَرُ نَاعِتًا، وَيُسَمَّى حَالًا فَمَا ذَكَرْتُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ بِهَذَا الْمَعْنَى بَلْ هُوَ وَاقِعٌ كَاتِّصَافِ الْحَرَكَةِ بِالسُّرْعَةِ وَالْبُطْءِ، وَإِنْ أُرِيدَ كَوْنُهُ تَابِعًا لَهُ فِي التَّحَيُّزِ فَالْقِيَامُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَلْزَمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُسْنُ صِفَةً لِلْفِعْلِ ثَابِتًا لَهُ، وَلَا يَكُونُ تَابِعًا لَهُ فِي التَّحَيُّزِ بَلْ تَابِعًا لِلْجَوْهَرِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الْفِعْلُ: الثَّانِي أَنَّ الصِّدْقَ عَلَى الْمَعْدُومِ لَا يَقْتَضِي الْعَدَمِيَّةَ مُطْلَقًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومٌ كُلِّيٌّ يَصْدُقُ عَلَى مَوْجُودٍ فَتَكُونُ حِصَّةٌ مِنْهُ مَوْجُودَةً، وَعَلَى مَعْدُومٍ فَتَكُونَ حِصَّةٌ مِنْهُ مَعْدُومَةً كَاللَّامُمْتَنِعِ الصَّادِقِ عَلَى الْوَاجِبِ، وَالْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ.
وَبِالْجُمْلَةِ عَدَمِيَّةُ صُورَةِ النَّفْيِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى كَوْنِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ النَّفْيِ وُجُودِيًّا بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّامَعْدُومَ وُجُودِيٌّ فَلَوْ أَثْبَتَ وُجُودِيَّةَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ النَّفْيِ بِعَدَمِيَّةِ صُورَةِ النَّفْيِ لَزِمَ الدَّوْرُ الثَّالِثُ أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِاتِّصَافِ الْفِعْلِ بِالْإِمْكَانِ الْوُجُودِيِّ بِعَيْنِ مَا ذُكِرَ مِنْ الدَّلِيلِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِمْكَانُ ذَاتِيًّا لَهُ.
الرَّابِعُ أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّ الْحُسْنَ الشَّرْعِيَّ أَيْضًا عَرَضٌ بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فَيَلْزَمُ مِنْ اتِّصَافِ الْفِعْلِ بِهِ قِيَامُ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ، فَإِنْ قِيلَ: هُوَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا تَحَقُّقَ لَهُ فِي الْأَعْيَانِ، وَمِثْلُهُ لَا يُعَدُّ مِنْ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ، وَلِهَذَا احْتَاجُوا إلَى إثْبَاتِ كَوْنِ الْحَسَنِ الْعَقْلِيِّ وُجُودِيًّا، قُلْنَا: الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ عَلَى إثْبَاتِ وُجُودِيَّةِ الْحُسْنِ الْعَقْلِيِّ جَازَ هَاهُنَا بِعَيْنِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَتَقْرِيرُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ غَيْرُ اخْتِيَارِيٍّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَازِمَ الصُّدُورِ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ التَّرْكُ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ اضْطِرَارِيٌّ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا وُجُودُهُ، وَعَدَمُهُ فَإِنْ افْتَقَرَ إلَى مُرَجِّحٍ فَمَعَ الْمُرَجِّحِ يَعُودُ التَّقَسُّمُ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ لَازِمًا فَاضْطِرَارِيٌّ، وَإِلَّا احْتَاجَ إلَى مُرَجِّحٍ آخَرَ، وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى مُرَجِّحٍ بَلْ يَصْدُرُ عَنْهُ تَارَةً، وَلَا يَصْدُرُ عَنْهُ أُخْرَى مَعَ تَسَاوِي الْحَالَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَحَدُّدِ أَمْرٍ مِنْ الْفَاعِلِ فَهُوَ اتِّفَاقِيٌّ، وَالِاتِّفَاقِيُّ، وَالِاضْطِرَارِيُّ لَا يُوصَفَانِ بِالْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ عَقْلًا بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا جِهَةَ لِلتَّخْصِيصِ بِفِعْلِ الْقَبِيحِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ عَلَى تَقْدِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute