الْفِعْلِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْفِعْلُ مَعَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَصُدُورُ الْفِعْلِ مَعَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَارَةً، وَعَدَمُ صُدُورِهِ أُخْرَى يَكُونُ رُجْحَانًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ حِينَئِذٍ يُمْكِنُ عَدَمُهُ لَكِنْ عَدَمُهُ يُوجِبُ رُجْحَانَ الْمَرْجُوحِ، وَهُوَ أَشَدُّ امْتِنَاعًا مِنْ رُجْحَانِ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ، وَإِذَا وَجَبَ عِنْدَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ لَا يَكُونُ اخْتِيَارِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُرَجِّحَ لَا يَكُونُ بِاخْتِيَارِهِ، وَأَلَّا نَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ الِاخْتِيَارِ كَمَا ذَكَرْنَا فَيُؤَدِّي إلَى التَّسَلْسُلِ أَوْ الِاضْطِرَارِ، وَالتَّسَلْسُلُ بَاطِلٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ اضْطِرَارِيٌّ، وَالِاضْطِرَارِيُّ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ اتِّفَاقًا، وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ اعْتَقَدُوا هَذَا الدَّلِيلَ يَقِينِيًّا، وَالْبَعْضُ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُونَهُ يَقِينِيًّا لَمْ يُورِدُوا عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ مَنْعًا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ شَيْءٌ، وَقَدْ خَفِيَ عَلَى كُلِّ الْفَرِيقَيْنِ مَوَاقِعُ الْغَلَطِ فِيهِ، وَأَنَا أُسْمِعُكَ مَا سَنَحَ لِخَاطِرِي، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَرْبَعِ مُقَدِّمَاتٍ (الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْفِعْلَ يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ الْمَصْدَرُ بِإِزَائِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى
ــ
[التلويح]
عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّرْكِ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الْفِعْلِ اضْطِرَارِيًّا إذْ لَا مَعْنَى لِلِاخْتِيَارِيِّ إلَّا مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْفِعْلِ، وَالتَّرْكِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى مُرَجِّحٍ كَانَ اتِّفَاقِيًّا، وَرُجْحَانًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ إنْ أَرَادَ بِهِ عَدَمَ التَّوَقُّفِ عَلَى مُرَجِّحٍ مِنْ عِنْدِ الْفَاعِلِ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي عِبَارَةِ الْبَعْضِ فَلَا نُسَلِّمُ لُزُومَ الرُّجْحَانِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فَإِنَّ نَفْيَ الْخَاصِّ لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْعَامِّ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ عَدَمَ التَّوَقُّفِ عَلَى مُرَجِّحٍ أَصْلًا يَصِحُّ كَوْنُهُ اتِّفَاقِيًّا إذْ لَا بُدَّ لِلِاتِّفَاقِيِّ مِنْ وُجُودِ الْعِلَّةِ أَعْنِي جَمِيعَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَقَعُ بِدُونِ عِلَّتِهِ، وَلَمَّا كَانَ هَاهُنَا مَظِنَّةُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ عِنْدَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ لَمْ يَكُنْ اخْتِيَارِيًّا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمُرَجِّحُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ نَفْسُ اخْتِيَارِهِ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّا نَنْقُلُ الْكَلَامَ إلَى ذَلِكَ الِاخْتِيَارِ حَتَّى يَنْتَهِي إلَى مُرَجِّحٍ لَا يَكُونُ بِاخْتِيَارِهِ قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ الْمُحَالِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ صِفَةٌ مُتَحَقِّقَةٌ لَا أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ حَتَّى يَنْقَطِعَ التَّسَلْسُلُ بِانْقِطَاعِ الِاعْتِبَارِ أَوْ يَكُونَ اخْتِيَارُ الِاخْتِيَارِ عَيْنَ اخْتِيَارٍ.
وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ إنَّا نَجِدُ تَفْرِقَةً ضَرُورِيَّةً بَيْنَ الْأَفْعَالِ الِاضْطِرَارِيَّةِ، وَالِاخْتِيَارِيَّة كَالسُّقُوطِ، وَالصُّعُودِ، وَحَرَكَتَيْ الْأَخْذِ، وَالرَّعْشَةِ فَيَكُونُ مَا ذَكَرْتُمْ اسْتِدْلَالًا فِي مُقَابَلَةِ الضَّرُورَةِ فَلَا يُسْمَعُ، وَيَكُونُ بَاطِلًا، الثَّانِي أَنَّهُ يَجْرِي فِي فِعْلِ الْبَارِي تَعَالَى فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا وَهُوَ بَاطِلٌ، الثَّالِثُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَوْ لَا يُوصَفُ فِعْلُ الْعَبْدِ بِحُسْنٍ، وَلَا قُبْحٍ شَرْعًا؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِغَيْرِ الْمُخْتَارِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ.
الرَّابِعُ أَنَّا نَخْتَارُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُرَجِّحٍ، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، وَسَوَاءً قُلْنَا يَجِبُ بِهِ الْفِعْلُ أَوْ لَا يَجِبُ يَكُونُ اخْتِيَارِيًّا إذْ لَا مَعْنَى لِلِاخْتِيَارِيِّ إلَّا مَا يَتَرَجَّحُ بِالِاخْتِيَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى الِاخْتِيَارِ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقُدْرَةِ، وَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا بِحَسَبِ الْإِرَادَةِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ فَالْمُرَجِّحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute