الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ فَإِنَّهُ إذَا تَحَرَّكَ زَيْدٌ فَقَدْ قَامَتْ الْحَرَكَةُ بِزَيْدٍ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْحَرَكَةِ الْحَالَةُ الَّتِي تَكُونُ لِلْمُتَحَرِّكِ فِي أَيِّ جُزْءٍ يُفْرَضُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسَافَةِ فَهِيَ الْمَعْنَى الثَّانِي، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا إيقَاعُ تِلْكَ الْحَالَةِ فَهِيَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَمْرٌ يَعْتَبِرُهُ الْعَقْلُ، وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ إذْ لَوْ كَانَ لَكَانَ لَهُ مَوْقِعٌ، ثُمَّ إيقَاعُ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ يَكُونُ وَاقِعًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ فِي طَرَفِ الْمَبْدَأِ فِي الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ فِي الْخَارِجِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّهُ إذَا أَوْقَعَ الْفَاعِلُ شَيْئًا وَاحِدًا فَقَدْ أَوْجَدَ أُمُورًا غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، وَهَذَا بَدِيهِيُّ الِاسْتِحَالَةِ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْإِيقَاعِ أَمْرًا غَيْرَ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ أَظْهَرُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ فَإِنَّ التَّكْوِينَ عِنْدَهُ أَمْرٌ غَيْرُ
ــ
[التلويح]
هُوَ الْإِرَادَةُ الَّتِي يَجِبُ الْفِعْلُ عِنْدَ تَحَقُّقِهَا، وَيَمْتَنِعُ عِنْدَ عَدَمِهَا، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ ضَرُورَةً هُوَ وُجُودُ الْقُدْرَةِ لَا تَأْثِيرُهَا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مُرَجِّحَ فَاعِلِيَّتِهِ قَدْ تَمَّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُرَجِّحٍ مُتَجَدِّدٍ إذْ عِلَّةُ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْمُرَجِّحِ عِنْدَنَا الْحُدُوثُ دُونَ الْإِمْكَانِ، وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ وُجُودَ الِاخْتِيَارِ، وَمَقْدُورِيَّةِ الْفِعْلِ كَافٍ فِي الشَّرْعِ، وَعِنْدَكُمْ لَوْلَا اسْتِقْلَالُ الْعَبْدِ بِالْفِعْلِ، وَتَأْثِيرُ قُدْرَتِهِ فِيهِ لَقَبُحَ التَّكْلِيفُ عَقْلًا وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَا يَجِبُ الْفِعْلُ عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ اسْتِقْلَالُ الْعَبْدِ بِهِ فَقَبُحَ التَّكْلِيفُ عِنْدَكُمْ كَمَا إذَا كَانَ مُوجِدَ الْفِعْلِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّهُمْ لَمْ يُورِدُوا عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ مَنْعًا يُعْتَدُّ بِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ خَفِيَ مَنْشَأُ الْغَلَطِ فِي هَذَا الدَّلِيلِ عَلَى كِلَا الْفَرِيقَيْنِ أَعْنِي الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَهُ يَقِينِيًّا، وَاَلَّذِينَ لَا يَعْتَقِدُونَهُ يَقِينِيًّا وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْرَدَ الْمَنْعَ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ بِأَنَّهُ إنْ تَوَقَّفَ عَلَى مُرَجِّحٍ يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ إنْ أُرِيدَ بِالْفِعْلِ الْحَالَةُ الْحَاصِلَةُ بِالْإِيقَاعِ كَمَا لِلْمُتَحَرِّكِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسَافَةِ، وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ بِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عِنْدَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ لَا يَكُونُ اخْتِيَارِيًّا إنْ أُرِيدَ بِالْفِعْلِ نَفْسُ الْإِيقَاعِ، وَبَنَى تَحْقِيقَ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعِ مُقَدِّمَاتٍ.
(قَوْلُهُ: الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى) إنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَصَادِرِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ لِلْفَاعِلِ مَعْنًى ثَابِتٌ قَائِمٌ بِهِ كَمَا إذَا قَامَ فَحَصَلَ هَيْئَةٌ هِيَ الْقِيَامُ أَوْ تَسَخَّنَ فَحَصَلَ لَهُ صِفَةٌ هِيَ الْحَرَارَةُ أَوْ تَحَرَّكَ فَحَصَلَ لَهُ حَالَةٌ هِيَ الْحَرَكَةُ فَلَفْظُ الْفِعْلِ، وَكَثِيرٌ مِنْ صِيَغِ الْمَصَادِرِ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى نَفْسِ إيقَاعِ الْفَاعِلِ ذَلِكَ الْأَمْرَ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ، وَيُسَمَّى تَأْثِيرًا كَإِحْدَاثِ الْحَرَكَةِ، وَإِيجَادِهَا فِي ذَاتِ الْمُوقِعِ، وَالْمُحْدِثِ فَإِنَّهُ تَحَرَّكَ لَا كَإِيقَاعِ الْحَرَكَةِ فِي جِسْمٍ آخَرَ حَتَّى يَكُونَ تَحْرِيكًا، وَكَإِيقَاعِ الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ فِي ذَاتِهِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْوَصْفِ الْحَاصِلِ لِلْفَاعِلِ بِذَلِكَ الْإِيقَاعِ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ مِنْ الْمَصْدَرِ، وَيَكُونُ وَصْفًا كَالْقِيَامِ أَوْ كَيْفِيَّةً كَالْحَرَارَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كَالْحَالَةِ الَّتِي تَكُونُ لِلْمُحَرِّكِ مَا دَامَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْمَبْدَأِ، وَالْمُنْتَهَى، وَالْأَوَّلُ حَقِيقَةُ مَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ الْجُزْءُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute