لَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ بِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُوجِبُ بِالذَّاتِ فَإِنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ يَجِبُ عَلَى تَقْدِيرِ إيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ، وَيَمْتَنِعُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يُوجِدَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مُمْكِنٌ مَحْفُوفٌ بِوَجْهَيْنِ سَابِقٍ، وَلَاحِقٍ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ السَّبْقُ الزَّمَانِيُّ فَمُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[التلويح]
أَوْلَوِيَّتَهُ لَا وُجُوبَهُ؟ قُلْنَا: إنْ أَمْكَنَ الْعَدَمُ مَعَ تِلْكَ الْأَوْلَوِيَّةِ فَوُقُوعُهُ إنْ كَانَ لَا لِسَبَبٍ لَزِمَ رُجْحَانُ الْمَرْجُوحِ وَإِنْ كَانَ لِسَبَبٍ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُودُ عَدَمُ ذَلِكَ السَّبَبِ فَلَا يَكُونُ الْمَفْرُوضُ جُمْلَةَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُودُ.
(قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ) ، وَهِيَ احْتِيَاجُ كُلِّ مُمْكِنٍ إلَى عِلَّةٍ يَجِبُ وُجُودُ الْمُمْكِنِ عِنْدَ وُجُودِهَا، وَعَدَمُهُ عِنْدَ عَدَمِهَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ يَعْنِي أَنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا أَوَّلِيَّةً مَشْهُورَةً لَمْ يُنَازِعْ فِيهَا إلَّا قَوْمٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ إنَّمَا يَصْدُرُ عَنْهُ الْفِعْلُ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ دُونَ الْوُجُوبِ لَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ إنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ وَاجِبٌ عَلَى تَقْدِيرِ إيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ، بِإِرَادَتِهِ، وَاخْتِيَارِهِ أَيَّ وَقْتٍ أَرَادَ فَاَللَّهُ تَعَالَى مُخْتَارٌ، وَالْمَعْلُولُ حَادِثٌ، وَاعْتِرَاضُ الْحُكَمَاءِ عَلَيْهِ بِأَنَّ اخْتِيَارَهُ إنْ كَانَ قَدِيمًا يَلْزَمُ قِدَمُ الْمَعْلُولِ لِامْتِنَاعِ التَّخَلُّفِ، وَإِنْ كَانَ حَادِثًا يُنْقَلُ الْكَلَامُ إلَيْهِ، وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ أَوْ قِدَمُ الْمَعْلُولِ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ) أَنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ فِيمَا بَيْنَ الْحُكَمَاءِ أَنَّ وُجُودَ كُلِّ مُمْكِنٍ مَحْفُوفٌ بِوُجُوبَيْنِ سَابِقٍ، وَهُوَ وُجُوبُ صُدُورِهِ عَنْ الْعِلَّةِ، وَلَاحِقٍ، وَهُوَ وُجُوبُ وُجُودِهِ مَا دَامَ مَوْجُودًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ التَّسَاوِي، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الْوُجُوبِ لَمْ يُوجَدْ لِمَا مَرَّ، وَبَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُودِ امْتَنَعَ الْعَدَمُ مَا دَامَ الْوُجُودُ مُتَحَقِّقًا ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الْوُجُودِ، وَالْعَدَمِ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِسَبَقِ الْوُجُوبِ عَلَى الْوُجُودِ السَّبَقُ الزَّمَانِيُّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُ مَوْجُودًا فِي زَمَانٍ قَبْلَ زَمَانِ تَحَقُّقِ الْمُتَأَخِّرِ يَلْزَمُ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْوُجُوبُ فِي زَمَانِ عَدَمِ الْمُمْكِنِ، وَهُوَ مُحَالٌ بِالضَّرُورَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ السَّبْقُ الِاحْتِيَاجِيُّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُ كَسَبْقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ أَوْ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ حَتَّى يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ وُجُودَ الْمُمْكِنِ عَنْ الْعِلَّةِ مُحْتَاجٌ إلَى وُجُوبِهِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الِاحْتِيَاجُ فِي الْعَقْلِ فَظَاهِرٌ أَنَّ تَعَقُّلَ وُجُودِ الْمُمْكِنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَقُّلِ وُجُوبِهِ بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَإِنْ أُرِيدَ فِي الْخَارِجِ، وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِالنَّظَرِ إلَى الْعِلَّةِ النَّاقِصَةِ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْعِلَّةِ التَّامَّةِ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا وُجُوبَ مَعَ الْعِلَّةِ النَّاقِصَةِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ إذْ النِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ مَعَ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ أَمْ لَا.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْوُجُوبَ إذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوُجُودُ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْمُمْكِنِ فَكَانَ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ فَيَلْزَمُ تَقَدُّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مَعْلُولٌ لِلْعِلَّةِ التَّامَّةِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ بِجَمِيعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute