عَلَيْهِ وُجُودُهُ فَلَا يَكُونُ الْمَفْرُوضُ جُمْلَةً، وَإِنْ وُجِدَ مِنْ غَيْرِ إيجَادِ شَيْءٍ آخَرَ إيَّاهُ لَزِمَ مَا سَلَّمْتُمْ اسْتِحَالَتَهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِوُجُودِ كُلِّ شَيْءٍ مُمْكِنٍ مِنْ شَيْءٍ يَجِبُ عِنْدَهُ وُجُودُ ذَلِكَ الْمُمْكِنِ، وَلَوْلَاهُ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ عِنْدَ وُجُودِ جُمْلَةٍ، وَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْحُكَمَاءِ
ــ
[التلويح]
مُغَايِرٌ لِذَاتِ الْمُمْكِنِ فَلَا نُسَلِّمُ لُزُومَ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُمْكِنِ مَعَ تَحَقُّقِ جُمْلَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُهُ فَإِنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةِ عِلَّةٌ مُوجِدَةٌ غَايَتُهُ أَنَّ الْمَعْلُولَ لَا يَجِبُ مَعَهَا، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ مِثْلَ تَحَقُّقِ الْمَعْلُولِ مَعَ عِلَّتِهِ الْمُوجِدَةِ تَارَةً، وَعَدَمِ تَحَقُّقِهِ مَعَهَا أُخْرَى فَلَا نُسَلِّمُ اسْتِحَالَةَ ذَلِكَ بَلْ هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الْإِيجَادَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ حَالَةَ الْعَدَمِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَفِي حَالَةِ الْوُجُودِ إنْ تَحَقَّقَ لَمْ يَكُنْ الْمَفْرُوضُ جُمْلَةَ مَا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْمُمْكِنِ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهِ الْإِيجَادُ، وَقَدْ كَانَ مُنْتَفِيًا فِي حَالَةِ الْعَدَمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَزِمَ وُجُودُ الْمُمْكِنِ بِلَا إيجَادِ شَيْءٍ إيَّاهُ، وَهُوَ مَعْنَى الرُّجْحَانِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَيَظْهَرُ لَك بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - زِيَادَةً لَا حَاجَةَ إلَيْهَا إذْ يَكْفِي أَنْ يُقَالَ: قَدْ لَزِمَ هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي زَمَانِ عَدَمِهِ لَمْ يُوجِدْهُ شَيْءٌ إلَى الْآخَرِ فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِكُمْ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ أَوْ يَجِبُ وُجُودُهُ الِامْتِنَاعَ، وَالْوُجُوبَ بِحَسَبِ الذَّاتِ فَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُمْكِنِ وَإِنْ أُرِيدَ بِحَسَبِ الْغَيْرِ فَالْإِمْكَانُ لَا يُنَاقِضُهُمَا فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِكُمْ، وَإِلَّا لَأَمْكَنَ وُجُودُهُ أَوْ عَدَمُهُ.
قُلْنَا الْمُرَادُ بِامْتِنَاعِ الْوُجُودِ اسْتِحَالَتُهُ بِالنَّظَرِ إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ، وَبِإِمْكَانِهِ عَدَمُ اسْتِحَالَتِهِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِوُجُوبِ الْوُجُودِ اسْتِحَالَةُ الْعَدَمِ بِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ، وَبِإِمْكَانِ الْعَدَمِ عَدَمُ اسْتِحَالَتِهِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَلَا خَفَاءَ فِي تَنَاقُضِهِمَا، وَهَذَا مَعْنَى مَا يُقَالُ: إنَّ الْمُمْكِنَةَ تُنَاقِضُ الضَّرُورِيَّةَ فَإِنْ قِيلَ: الْمَعْلُولُ النَّوْعِيُّ قَدْ يَتَعَدَّدُ عِلَلُهُ كَالشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالنَّارِ لِلضَّوْءِ، وَمَعَ انْتِفَاءِ عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَمْتَنِعُ وُجُودُ الْمَعْلُولِ قُلْنَا إذَا اعْتَبَرْت الْمَعْلُولَ نَوْعِيًّا فَعِلَّتُهُ أَحَدُ الْأُمُورِ، وَانْتِفَاؤُهُ، إنَّمَا يَكُونُ بِانْتِفَاءِ كُلٍّ مِنْهَا، وَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ وُجُودُ الْمَعْلُولِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِيجَادَ أَمْرٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْمُمْكِنِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ اعْتِبَارٌ عَقْلِيٌّ يَحْصُلُ فِي الذِّهْنِ مِنْ اعْتِبَارِ إضَافَةِ الْعِلَّةِ إلَى الْمَعْلُولِ فَهُوَ فِي الذِّهْنِ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُمَا، وَفِي الْخَارِجِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ أَصْلًا، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ عَدَمُ الْمُمْكِنِ عِنْدَ تَحَقُّقِ جَمِيعِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُهُ كَانَ وُجُودُهُ تَارَةً، وَعَدَمُهُ أُخْرَى تَخْصِيصًا بِلَا مُخَصِّصٍ، وَتَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَى جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ عَلَى السَّوِيَّةِ، وَبُطْلَانَهُ ضَرُورِيٌّ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَكْفِي فِي وُقُوعِ الْمُمْكِنِ أَوْلَوِيَّتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَهِي إلَى الْوُجُوبِ، وَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ عَدَمُهُ مَعَ تَحَقُّقِ جُمْلَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُودُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جُمْلَةَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُودُ إنَّمَا يُفِيدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute