للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التلويح]

بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ جُمْلَةَ مَا يَجِبُ عِنْدَهُ وُجُودُ الْحَادِثِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودَاتٍ مَعَ مَعْدُومَاتٍ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِقَوْلِنَا كُلَّمَا عُدِمَ زَيْدٌ عَدِمَ شَيْءٌ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ الْمُفْتَقِرِ هُوَ إلَيْهَا الْمُسْتَنِدَةِ إلَى الْوَاجِبِ، وَهَذَا مُحَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ انْتِفَاءَ الْوَاجِبِ إذْ عَدَمُ ذَلِكَ الْمَوْجُودِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ شَيْءٍ مِمَّا يَفْتَقِرُ هُوَ إلَيْهِ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ، وَهَكَذَا إلَى الْوَاجِبِ فَيَكُونُ عَدَمُ زَيْدٍ مُحَالًا مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي زَيْدٍ الْحَادِثِ الْمَسْبُوقِ بِالْعَدَمِ، وَاسْتِحَالَةِ الْعَدَمِ بِوَاسِطَةِ الِاسْتِنَادِ إلَى الْوَاجِبِ.

وَإِنْ لَمْ تُنَافِ الْإِمْكَانَ بِالذَّاتِ لَكِنْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهَا تُنَافِي الْحُدُوثَ الزَّمَانِيَّ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَجَبَ وُجُودُ الْمَعْلُولِ عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ عِلَّةُ الْحَادِثِ مَوْجُودًا مَحْضًا، وَلَا مَوْجُودًا مَعَ مَعْدُومٍ فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْمَوْجُودَاتِ فَاعِلٌ بِالِاخْتِيَارِ يُوجِدُ الْحَادِثَ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ؟ قُلْت: لِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُوبِ الْمَعْلُولِ عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَوَجْدَ الْمُخْتَارُ ذَلِكَ الْحَادِثَ وَإِمَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ قَبْلَهُ جَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي يَفْتَقِرُ هُوَ إلَيْهَا مِمَّا يُسَمَّى إرَادَةً أَوْ اخْتِيَارًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُوجَدْ الْحَادِثُ فَيَلْزَمُ التَّخَلُّفُ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ فَيُنْقَلُ الْكَلَامُ إلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ بِأَنَّ عَدَمَهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَدَمِ شَيْءٍ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي يَفْتَقِرُ هُوَ إلَيْهَا، وَهَكَذَا إلَى الْوَاجِبِ عَلَى مَا مَرَّ فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْوَاجِبِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ تَقْتَضِي شِدَّةَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْعِلَّةِ، وَالْمَعْلُولِ لِئَلَّا يَكُونَ صُدُورُهُ رُجْحَانًا بِلَا مُرَجِّحٍ، وَلِيَكُونَ وُجُودُ الْعِلَّةِ مُسْتَلْزِمًا لِوُجُودِ الْمَعْلُولِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُوجِبَ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً بِالْمُوجِبِ مِنْ الْمُخْتَارِ فَلَا يُفِيضُ مِنْ الْمُوجِبِ إلَّا الْمُوجِبُ، وَضَعْفُ هَذَا الْكَلَامِ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ، وَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُوبِ وُجُودِ الْمَعْلُولِ عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ فِي جُمْلَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْحَادِثِ أَمْرٌ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْحَادِثِ الْحَرَكَاتُ الْفَلَكِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا أَزَلِيَّةٌ، وَعَدَمُ كُلِّ سَابِقٍ مِنْهَا مُعَدٌّ لِوُجُودِ اللَّاحِقِ، وَالْكُلُّ مُسْتَنِدٌ إلَى الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا بِدَايَةٌ، وَالْحَرَكَةُ أَمْرٌ غَيْرُ قَادِرِ الذَّاتِ فَيَرْتَفِعُ لِامْتِنَاعِ بَقَائِهَا لَا لِارْتِفَاعِ شَيْءٍ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي تَفْتَقِرُ هِيَ إلَيْهَا حَتَّى يَلْزَمَ ارْتِفَاعُ الْوَاجِبِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ لِبُرْهَانٍ عَلَى امْتِنَاعِ تَرَكُّبِ عِلَلِ الْحَوَادِثِ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ، وَالْمَعْدُومَاتِ فَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ أُجُورٍ لَا مَوْجُودَةٍ، وَلَا مَعْدُومَةٍ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْحَرَكَةُ إلَّا بِأَنْ يُوجَدَ أَيْنٌ أَيْ كَوْنُهُ فِي مَكَان أَوْ وَضْعٍ فَيَنْعَدِمُ، وَيَحْدُثُ أَيْنٌ أَوْ وَضْعٌ آخَرُ فَالْأَيْنُ أَوْ الْوَضْعُ الْأَوَّلُ مُمْكِنُ الْبَقَاءِ فَلَوْ اسْتَنَدَ إلَى الْوَاجِبِ وُجُوبًا يَجِبُ بَقَاؤُهُ فَلَا يَحْدُثُ حَرَكَةٌ أَصْلًا فَالْمَاهِيَّةُ الْغَيْرُ الْقَارَّةِ لَا تَكُونُ أَثَرًا لِلْمُوجِبِ، وَالذَّاتُ الَّتِي يَمْتَنِعُ زَوَالُهَا كَيْفَ تُوجِبُ أَثَرًا يَجِبُ زَوَالُهُ،.

فَإِنْ قِيلَ: الذَّاتُ تَكُونُ عِلَّةً لِمُطْلَقِ الْحَرَكَةِ، وَهُوَ أَمْرٌ سَرْمَدِيٌّ، وَإِنْ كَانَ أَفْرَادُهُ بِحَيْثُ يَجِبُ زَوَالُهَا قُلْت مَاهِيَّةُ الْحَرَكَةِ لَيْسَتْ مَاهِيَّةً مُحَقَّقَةً، وَإِلَّا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>