مَعْدُومٍ فِي جُمْلَةِ مَا يَجِبُ عِنْدَهُ وُجُودُ الْحَادِثِ فَإِنْ قِيلَ: لَا يَثْبُتُ هَذَا الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِالْمَعْدُومِ نَقِيضُ الْمَوْجُودِ فَالْأَمْرُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ حَالًا دَاخِلٌ فِي أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ ضَرُورَةً. قُلْت: هَذَا التَّأْوِيلُ صَحِيحٌ إلَّا فِي قَوْلِهِ، وَذَلِكَ الْجُزْءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مَحْضًا إلَى آخِرِهِ فَإِنَّ الِانْحِصَارَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ
ــ
[التلويح]
تَكُنْ طَبِيعَةُ الْمُطْلَقِ مُخَالِفَةً لِطَبِيعَةِ الْأَفْرَادِ بَلْ هِيَ مَاهِيَّةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ رَكَّبَهَا الْعَقْلُ مِنْ حُدُوثِ كَوْنٍ، ثُمَّ عَدَمُهُ، وَحُدُوثُ كَوْنٍ آخَرَ، فَإِنْ قِيلَ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُطْلَقُ بَاقِيًا بِتَجَدُّدِ الْأَفْرَادِ مَعَ أَنَّ الْأَفْرَادَ غَيْرُ بَاقِيَةٍ قُلْنَا: نَعَمْ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي طَبِيعَةِ الْأَفْرَادِ امْتِنَاعُ الْبَقَاءِ، وَفِي طَبِيعَةِ الْمُطْلَقِ إمْكَانُ الْبَقَاءِ بَلْ طَبِيعَةُ الْأَفْرَادِ، وَالْمُطْلَقِ تَكُونُ عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ فِي الْإِمْكَانِ، وَالِامْتِنَاعِ، وَهَاهُنَا طَبِيعَةُ كُلِّ فَرْدٍ تَقْتَضِي عَدَمَ الْبَقَاءِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُطْلَقِ طَبِيعَةٌ نَوْعِيَّةٌ مَوْجُودَةٌ تَحْتَهَا أَفْرَادٌ، فَلَا يَكُونُ الْمُطْلَقُ مَعْلُولَ الْمُوجِبِ، وَلَا أَفْرَادُهُ أَيْضًا لِامْتِنَاعِ بَقَائِهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَهُوَ لَا يَدْفَعُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَلَاسِفَةُ مِنْ اسْتِنَادِ الْحَرَكَاتِ إلَى إرَادَاتٍ حَادِثَةٍ مِنْ النُّفُوسِ الْفَلَكِيَّةِ لَا إلَى بِدَايَةٍ، وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ مَوْضِعُهُ عُلُومٌ أُخَرُ.
وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى إثْبَاتِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ بِأَنَّ الْإِيجَادَ لَيْسَ اعْتِبَارًا عَقْلِيًّا لِلْقَطْعِ بِتَحَقُّقِهِ سَوَاءٌ وُجِدَ اعْتِبَارُ الْعَقْلِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ، وَلَا أَمْرًا مُحَقَّقًا مَوْجُودًا، وَإِلَّا لَاحْتَاجَ إلَى إيجَادٍ آخَرَ، وَلُزُومِ التَّسَلْسُلِ مِنْ جَانِبِ الْمَبْدَأِ فِي الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ، وَيَمْتَنِعُ كَوْنُ إيجَادِ الْإِيجَادِ عَيْنُهُ ضَرُورَةَ تَغَايُرِ الْمُحْتَاجِ، وَالْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَلِجَوَابِ أَنَّ الْمَعْلُومَ قَطْعًا هُوَ أَنَّ الْفَاعِلَ أَوْجَدَ شَيْئًا، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْإِيجَادِ أَمْرًا اعْتِبَارِيًّا غَيْرَ مُتَحَقِّقٍ فِي الْخَارِجِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ مَبْدَأِ الْمَحْمُولِ انْتِفَاءُ الْحَمْلِ كَمَا فِي قَوْلِنَا: زَيْدٌ أَعْمًى فَإِنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ وُجِدَ اعْتِبَارُ الْعَقْلِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَعَ أَنَّ الْعَمَى أَمْرٌ عَدَمِيٌّ فَإِذَا قَتَلَ زَيْدٌ عُمْرًا صَدَقَ أَنَّهُ أَوْجَدَ الْقَتْلَ، وَلَمْ يَصْدُقْ أَنَّ الْإِيجَادَ مَعْدُومٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِدْ الْقَتْلُ لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي صِدْقَ قَوْلِنَا الْإِيجَادُ مَعْدُومٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا مُتَحَقِّقًا مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ:) تَقْدِيرُ السُّؤَالِ عَلَى مَا سَبَقَ إلَيْهِ الْأَذْهَانُ إنَّمَا نَعْنِي بِالْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ مَا لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ الْوَاسِطَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ فَهُوَ إمَّا ثَابِتٌ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ أَوَّلًا، وَهُوَ الْمَعْدُومُ، وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فَالْأَمْرُ الَّذِي سَمَّيْتُمُوهُ حَالًا، وَجَعَلْتُمُوهُ وَاسِطَةً بَيْنَ الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ إنْ كَانَ لَهُ ثُبُوتٌ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَوْجُودِ، وَإِلَّا فَفِي الْمَعْدُومِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِاسْتِلْزَامِهِ وُرُودَ الْمَنْعِ عَلَى بَعْضِ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِنَا عَلَى امْتِنَاعِ تَرَكُّبِ عِلَّةِ الْحَادِثِ مِنْ مَوْجُودَاتٍ، وَمَعْدُومَاتٍ، وَهَلْ سَمِعْت عَاقِلًا يُجِيبُ عَنْ مُعَارَضَةِ الْخَصْمِ بِأَنَّهَا فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهَا بُطْلَانُ الدَّلِيلِ الَّذِي أَنَا أَوْرَدْته عَلَى نَقِيضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute