وَيَكُونُ الْقِيَاسُ قَدْ أَدَّى إلَيْهِ رَأْيُ مُجْتَهِدٍ حَتَّى لَوْ خَالَفَ إجْمَاعَ الْمُجْتَهِدِينَ يَكُونُ بَاطِلًا فَالْقَضِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ سَوَاءٌ جَعَلْنَاهَا كُبْرَى أَوْ مُلَازِمَةً إنَّمَا تَصْدُقُ كُلِّيَّةً إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى هَذِهِ الْقُيُودِ فَالْعِلْمُ بِالْمَبَاحِثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذِهِ الْقُيُودِ يَكُونُ عِلْمًا بِالْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ إحْدَى مُقَدِّمَتَيْ الدَّلِيلِ عَلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ فَتَكُونُ تِلْكَ الْمَبَاحِثُ مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَوْلُنَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَيْهِ. الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَخْتَصُّ بِالْمُجْتَهِدِ فَإِنَّ الْمَبْحُوثَ عَنْهُ فِي هَذَا الْعِلْمِ قَوَاعِدُ يَتَوَصَّلُ الْمُجْتَهِدُ بِهَا إلَى الْفِقْهِ فَإِنَّ الْمُتَوَصِّلَ إلَى الْفِقْهِ لَيْسَ إلَّا الْمُجْتَهِدُ فَإِنَّ الْفِقْهَ هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الَّتِي لَيْسَ دَلِيلُ الْمُقَلِّدِ مِنْهَا فَلِهَذَا لَمْ تُذْكَرْ مَبَاحِثُ التَّقْلِيدِ وَالِاسْتِفْتَاءِ فِي كُتُبِنَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَعُمُّ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُقَلِّدَ وَالْأَدِلَّةُ الْأَرْبَعَةُ إنَّمَا يَتَوَصَّلُ بِهَا الْمُجْتَهِدُ لَا الْمُقَلِّدُ فَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَالدَّلِيلُ عِنْدَهُ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ فَالْمُقَلِّدُ يَقُولُ هَذَا الْحُكْمُ وَاقِعٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ أَدَّى إلَيْهِ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكُلُّ مَا أَدَّى إلَيْهِ رَأْيُهُ فَهُوَ وَاقِعٌ عِنْدِي فَالْقَضِيَّةُ الثَّانِيَةُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ أَيْضًا فَلِهَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مَبَاحِثَ التَّقْلِيدِ وَالِاسْتِفْتَاءِ فَعَلَى هَذَا عِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْقَوَاعِدِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ، وَلَا يُقَالُ إلَى الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ الْفِقْهَ هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَقَوْلُنَا عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ لَا يُنَافِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ تَحْقِيقَ الْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ مُجْتَهِدًا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ الْمُقَلِّدُ حَقِيقَةَ رَأْيِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ
ــ
[التلويح]
وَيُسَمَّى الشَّكْلَ الثَّانِي أَوْ مَوْضُوعٌ فِيهِمَا وَيُسَمَّى الشَّكْلَ الثَّالِثَ مَثَلًا إذَا قُلْنَا الْحَجُّ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورُ الشَّارِعِ وَكُلُّ مَا هُوَ مَأْمُورُ الشَّارِعِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ وَالْوَاجِبُ الْأَكْبَرُ وَالْمَأْمُورُ الْأَوْسَطُ وَقَوْلُنَا الْحَجُّ مَأْمُورُ الشَّارِعِ هِيَ الصُّغْرَى وَقَوْلُنَا وَكُلُّ مَا هُوَ مَأْمُورُ الشَّارِعِ فَهُوَ وَاجِبٌ هِيَ الْكُبْرَى وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَالْقَوَاعِدُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْفِقْهِ هِيَ الْقَضَايَا الْكُلِّيَّةُ الَّتِي تَقَعُ كُبْرَى لِصُغْرَى سَهْلَةِ الْحُصُولِ عِنْدَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ بِالشَّكْلِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَضَمِّ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ إلَى الصُّغْرَى السَّهْلَةِ الْحُصُولِ لِيَخْرُجَ الْمَطْلُوبُ الْفِقْهِيُّ مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ هُوَ مَعْنَى التَّوَصُّلِ بِهَا إلَى الْفِقْهِ لَكِنَّ تَحْصِيلَ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ وَالْأَحْكَامِ وَبَيَانِ شَرَائِطِهِمَا وَقُيُودِهِمَا الْمُعْتَبَرَةِ فِي كُلِّيَّةِ الْقَاعِدَةِ فَالْمَبَاحِثُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِذَلِكَ هِيَ مَطَالِبُ أُصُولِ الْفِقْهِ وَتَنْدَرِجُ كُلُّهَا تَحْتَ الْعِلْمِ بِالْقَاعِدَةِ عَلَى مَا شَرَحَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَيَكُونُ الْقِيَاسُ قَدْ أَدَّى إلَيْهِ رَأْيُ مُجْتَهِدٍ) يَعْنِي يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ فِيهِ اجْتِهَادُ الْآرَاءِ لِيُحْتَرَزَ بِهِ عَنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْبِقْ فِي الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادٌ أَوْ سَبَقَ اجْتِهَادُ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ فَقَطْ فَلَا خَفَاءَ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ عَلَى خِلَافِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ) الظَّاهِرُ إنَّهُ بَعِيدٌ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَالْمُتَعَرَّضُونَ لِمَبَاحِثِ التَّقْلِيدِ فِي كُتُبِهِمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْهُ إنَّمَا وَقَعَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ الِاجْتِهَادِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُقَالُ إلَى الْفِقْهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ يَتَوَصَّلُ بِقَوَاعِدِهِ إلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ لَا إلَى الْفِقْهِ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ عَنْ أَدِلَّتِهَا الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute