وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْمَدْلُولِ فَإِنَّ الْقَضِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا كُلِّيَّةً إذَا عُرِفَ أَنْوَاعُ الْحُكْمِ وَأَنَّ أَيَّ نَوْعٍ مِنْ الْأَحْكَامِ يُثْبِتُ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ بِخُصُوصِيَّةٍ نَاشِئَةٍ مِنْ الْحُكْمِ كَكَوْنِ هَذَا الشَّيْءِ عِلَّةً لِذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ الْمَبَاحِثُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَحْكُومِ بِهِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ كَكَوْنِهِ عِبَادَةً أَوْ عُقُوبَةً وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي كَلِيلَةِ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ فَإِنَّ الْعُقُوبَاتِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ الْمَبَاحِثُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُكَلَّفُ وَمَعْرِفَةُ الْأَهْلِيَّةِ وَالْعَوَارِضِ الَّتِي تَعْرِضُ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ سَمَاوِيَّةً وَمُكْتَسَبَةً مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ أَيْضًا لِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ بِاخْتِلَافِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِ الْعَوَارِضِ وَعَدَمِهَا فَيَكُونُ تَرْكِيبُ الدَّلِيلِ عَلَى إثْبَاتِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ بِالشَّكْلِ الْأَوَّلِ هَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ هَذَا شَأْنُهُ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ هَذَا شَأْنُهُ، وَهَذَا الْفِعْلُ صَادِرٌ مِنْ مُكَلَّفٍ هَذَا شَأْنُهُ وَلَمْ تُوجَدْ الْعَوَارِضُ الْمَانِعَةُ مِنْ ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ وَيَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ قِيَاسٌ هَذَا شَأْنُهُ هَذَا هُوَ الصُّغْرَى، ثُمَّ الْكُبْرَى قَوْلُنَا وَكُلُّ حُكْمٍ مَوْصُوفٍ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ الْقِيَاسُ الْمَوْصُوفُ فَهُوَ ثَابِتٌ فَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَبِطَرِيقِ الْمُلَازَمَةِ هَكَذَا كُلَّمَا وُجِدَ قِيَاسٌ مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ دَالٌّ عَلَى حُكْمٍ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ لَكِنَّهُ وُجِدَ الْقِيَاسُ الْمَوْصُوفُ إلَخْ فَعُلِمَ أَنَّ جَمِيعَ الْمَبَاحِثِ الْمُتَقَدِّمَةِ مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي هِيَ إحْدَى مُقَدِّمَتَيْ الدَّلِيلِ عَلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ، فَهَذَا هُوَ مَعْنَى التَّوَصُّلِ الْقَرِيبِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ جَمِيعَ مَسَائِلِ الْأُصُولِ رَاجِعَةٌ إلَى قَوْلِنَا كُلُّ حُكْمٍ كَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ دَلِيلٌ كَذَا فَهُوَ ثَابِتٌ أَوْ كُلَّمَا وُجِدَ دَلِيلٌ كَذَا دَالٌّ عَلَى حُكْمٍ كَذَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى أَنَّهُ يَبْحَثُ فِي هَذَا الْعِلْمِ عَنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَحْكَامِ الْكُلِّيَّتَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأُولَى مُثْبِتَةٌ لِلثَّانِيَةِ وَالثَّانِيَةُ ثَابِتَةٌ بِالْأُولَى وَالْمَبَاحِثُ
ــ
[التلويح]
بِهَا لَيْسَ عَنْ أَدِلَّتِهَا الْأَرْبَعَةِ.
قَوْلُهُ (يُبْحَثُ فِي هَذَا الْعِلْمِ عَنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ) يَعْنِي عَنْ أَحْوَالِهِمَا عَنْ حَذْفِ الْمُضَافِ، إذْ لَا يُبْحَثُ فِي الْعِلْمِ عَنْ نَفْسِ الْمَوْضُوعِ، بَلْ عَنْ أَحْوَالِهِ وَعَوَارِضِهِ إلَّا أَنَّ حَذْفَ هَذَا الْمُضَافِ شَائِعٌ فِي عِبَارَةِ الْقَوْمِ.
قَوْلُهُ (فَمَوْضُوعُ هَذَا الْعِلْمِ) الْمُرَادُ بِمَوْضُوعِ الْعِلْمِ مَا يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ عَوَارِضِهِ الذَّاتِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْعَرْضِ هَاهُنَا الْمَحْمُولُ عَلَى الشَّيْءِ الْخَارِجُ عَنْهُ وَبِالْعَرْضِ الذَّاتِيِّ مَا يَكُونُ مُنْشَؤُهُ الذَّاتِ بِأَنْ يَلْحَقَ الشَّيْءُ لِذَاتِهِ كَالْإِدْرَاكِ لِلْإِنْسَانِ أَوْ بِوَاسِطَةِ أَمْرٍ يُسَاوِيهِ كَالضَّحِكِ لِلْإِنْسَانِ بِوَاسِطَةِ تَعَجُّبِهِ أَوْ بِوَاسِطَةِ أَمْرٍ أَعَمَّ مِنْهُ دَاخِلٍ فِيهِ كَالتَّحَرُّكِ لِلْإِنْسَانِ بِوَاسِطَةِ كَوْنِهِ حَيَوَانًا وَالْمُرَادُ بِالْبَحْثِ عَنْ الْأَعْرَاضِ الذَّاتِيَّةِ حَمْلُهَا عَلَى مَوْضُوعِ الْعِلْمِ كَقَوْلِنَا الْكِتَابُ يُثْبِتُ الْحُكْمَ قَطْعًا أَوْ عَلَى أَنْوَاعِهِ كَقَوْلِنَا الْأَمْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute