للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَوْنُ التَّرْجِيحِ، وَالتَّخْصِيصِ صَادِرَيْنِ مِنَّا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا صَادِرَيْنِ مِنَّا لَا تَكُونُ الْإِرَادَةُ إلَّا مُجَرَّدَ شَوْقٍ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ فَرْقٌ بَيْنَ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَالِاضْطِرَارِيَّة الَّتِي تَشْتَاقُ إلَيْهَا كَحَرَكَةِ نَبْضِنَا عَلَى نَسَقٍ نَشْتَهِي أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ لَكِنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَنَعْلَمُ أَنَّ الْأُولَى بِفِعْلِنَا لَا الثَّانِيَةَ، وَأَيْضًا نُفَرِّقُ فِي الِاخْتِيَارِيَّات بَيْنَ مَا نَقْدِرُ عَلَى تَرْكِهِ، وَبَيْنَ مَا لَا نَقْدِرُ عَلَى تَرْكِهِ كَانْحِدَارٍ إلَى صَبَبٍ بِالْعَدْوِ الشَّدِيدِ الَّذِي لَا نَقْدِرُ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَنْهُ، وَكَذَا نُفَرِّقُ فِي التَّرْكِ بَيْنَ مَا نَقْدِرُ عَلَى الْفِعْلِ، وَبَيْنَ مَا لَا نَقْدِرُ أَيْضًا قَدْ نَفْعَلُ بِدَاعِيَةٍ، وَقَدْ نَفْعَلُ بِلَا دَاعِيَةٍ فَعُلِمَ أَنَّ الْعِلْمَ الْوِجْدَانَيَّ قَاضٍ بِأَنَّا نَفْعَلُ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ، وَلَا وُجُوبٍ، وَنُرَجِّحُ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْ الْمَرْجُوحَ، وَهَذَا التَّرْجِيحُ هُوَ الِاخْتِيَارُ، وَالْقَصْدُ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ نُشَاهِدُ خَوَارِقَ الْعَادَاتِ فِي

ــ

[التلويح]

بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا هُوَ الْمُدَّعَى.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُونَا صَادِرَيْنِ مِنَّا لَا تَكُونُ الْإِرَادَةُ إلَّا مُجَرَّدُ شَوْقٍ) هَذَا الْكَلَامُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْإِلْزَامِ فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ الْإِرَادَةَ فِي الْحَيَوَانِ شَوْقٌ إلَى حُصُولِ الْمُرَادِ، وَدَاعٍ يَدْعُو إلَى تَحْصِيلِهِ لِمَا يُعْقَلُ أَوْ يُتَخَيَّلُ مِنْ مُلَائِمَتِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ فَرْقٌ بَيْنَ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَالِاضْطِرَارِيَّة الَّتِي يَشْتَاقُ إلَيْهَا لَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الِاخْتِيَارِيَّ مَا يَكُونُ مَعَ صِحَّةِ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِهِ يَصِحُّ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِهِ، وَسَتَعْرِفُ أَنَّ الْفِعْلَ قَدْ يَكُونُ مُتَعَلِّقَ الْإِرَادَةِ دُونَ الْقُدْرَةِ، وَبِالْعَكْسِ.

(قَوْلُهُ: نُفَرِّقُ فِي الِاخْتِيَارِيَّات بَيْنَ مَا نَقْدِرُ عَلَى تَرْكِهِ، وَمَا لَا نَقْدِرُ) فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا، وَالِاخْتِيَارِيُّ مَا يُتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْفِعْلِ، وَالتَّرْكِ قُلْنَا نَعَمْ، وَلَكِنْ قَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ مَا يَمْنَعُ التَّمَكُّنَ مِنْ التَّرْكِ كَمِثْلِ الْأَثْقَالِ إلَى الْمُرَكَّزِ بِالطَّبْعِ فِي صُورَةِ الِانْحِدَارِ إلَى صَبَبٍ، وَهُوَ مَا انْحَدَرَ مِنْ الْأَرْضِ، وَكَذَا نُفَرِّقُ فِي التَّرْكِ بَيْنَ مَا نَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ كَتَرْكِ الْحَرَكَةِ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَوِيَةِ، وَبَيْنَ مَا لَا نَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ كَتَرْكِ الْحَرَكَةِ فِي الْبِنَاءِ الْعَالِي، وَأَيْضًا قَدْ نَجِدُ فِي الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ بَاعِثًا عَلَيْهِ، وَدَاعِيًا إلَيْهِ مِنْ أَنْفُسِنَا كَالْمَشْيِ إلَى مَحْبُوبٍ بِخِلَافِ الْمَشْيِ إلَى مَكْرُوهٍ.

(قَوْلُهُ كَقَطْعِ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ) لَا نِزَاعَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْ الْأَوْلِيَاءِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ يُنْكِرُونَهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْقَصْدُ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ: إنَّ قَصْدَ الْعَبْدِ اضْطِرَارِيٌّ لَا اخْتِيَارِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ لِلْعَبْدِ، وَإِلَّا لَتَسَلْسَلَتْ الِاخْتِيَارَاتُ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَصْدَ مَخْلُوقُ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى اسْتِنَادِهِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ إلَى الْمَخْلُوقَاتِ الْمَوْجُودَةِ كَالْقُدْرَةِ مَثَلًا لَكِنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ اللَّامَوْجُودَةِ، واللَّامَعْدُومةِ فَلَا يَجِبُ عِنْدَ وُجُودِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ إذْ لَوْ كَانَ الْقَصْدُ الَّذِي هُوَ صَرْفُ الْقُدْرَةِ إلَى الْفِعْلِ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى قَصْدًا لَكَانَ الْفَاعِلُ مُضْطَرًّا إلَى الْفِعْلِ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ مِنْ التَّرْكِ، وَهَذَا يُنَافِي خَلْقَ الْقُدْرَةِ الَّتِي مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>