للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صُدُورِ الْأَفْعَالِ كَالْحَرَكَاتِ الْقَوِيَّةِ مِنْ الْقُوَى الضَّعِيفَةِ كَقَطْعِ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَأَمْثَالِهِ، وَكَذَا فِي عَدَمِ صُدُورِهَا كَمَا تَوَاتَرَ فِي أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالصِّدِّيقِينَ أَنَّ الْكُفَّارَ قَصَدُوهُمْ بِأَنْوَاعِ الْأَذَى فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ مَعَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ، وَتَوَافُرِ الدَّوَاعِي، وَالْإِرَادَاتِ مَعَ قُدْرَتِهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى أُمُورٍ أَشَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي وُجُودِ الْحَرَكَةِ أَيْ الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ قُدْرَةُ الْعَبْدِ، وَإِرَادَتُهُ إذْ لَوْ كَانَ لَمْ يُخَالِفْ إرَادَتَهُ، وَلَوْ كَانَ مُؤَثِّرًا طَبْعًا فِيمَا جَرَى عَلَيْهِ الْعَادَةُ لَمْ يُوجَدْ خَوَارِقُ الْعَادَاتِ، وَأَيْضًا لَا تُمَكَّنُ الْحَرَكَاتُ إلَّا بِتَمْدِيدِ الْأَعْصَابِ، وَإِرْخَائِهَا، وَلَا شُعُورَ لَنَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا نَدْرِي أَيَّ عَصَبَةٍ يَجِبُ تَمْدِيدُهَا لِتَحْصِيلِ الْحَرَكَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَكَذَا لَا شُعُورَ لَنَا بِكَيْفِيَّةِ خُرُوجِ الْحُرُوفِ عَنْ مَخَارِجِهَا فَعُلِمَ مِنْ وِجْدَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِيَارِ، وَوُجْدَانِ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ لَيْسَ مُؤَثِّرًا فِي وُجُودِ الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ جَرَى عَادَتُهُ تَعَالَى أَنَّا مَتَى قَصَدْنَا الْحَرَكَةَ الِاخْتِيَارِيَّةَ قَصْدًا جَازِمًا مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ إلَى الْقَصْدِ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى عَقِيبَهُ الْحَالَةَ الْمَذْكُورَةَ الِاخْتِيَارِيَّةَ، وَإِنْ لَمْ نَقْصِدْ لَمْ يَخْلُقْ، ثُمَّ الْقَصْدُ مَخْلُوقُ اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ قُدْرَةً يَصْرِفُهَا الْعَبْدُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، ثُمَّ صَرَفَهَا إلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ بِفِعْلِ الْعَبْدِ، وَهُوَ الْقَصْدُ، وَالِاخْتِيَارُ فَالْقَصْدُ مَخْلُوقُ اللَّهِ بِمَعْنَى اسْتِنَادِهِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ إلَى مَوْجُودَاتٍ هِيَ مَخْلُوقَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ هَذَا الصَّرْفَ مَقْصُورًا؛ لِأَنَّ هَذَا يُنَافِي خَلْقَ الْقُدْرَةِ فَحَصَلَتْ الْحَالَةُ الْمَذْكُورَةُ بِمَجْمُوعِ خَلْقِ

ــ

[التلويح]

شَأْنِهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الْفِعْلِ، وَالتَّرْكِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَوْ كَانَ الِاسْتِنَادُ إلَى مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ كَافِيًا فِي كَوْنِ الْفِعْلِ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا نِزَاعَ لِأَحَدٍ فِي كَوْنِ فِعْلِ الْعَبْدِ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى بِهَذَا الْمَعْنَى ضَرُورَةَ اسْتِنَادِهِ إلَى الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ مَخْلُوقٌ، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْعَبْدِ مُوجِدًا لَهُ، وَمُؤَثِّرًا فِيهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِنَادَ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ إنَّمَا يُمْكِنُ فِي الْأُمُورِ اللَّامَوْجُودَةِ، واللَّامَعْدُومةِ كَالْقَصْدِ مَثَلًا لَا فِي الْمَوْجُودَةِ كَالْحَالَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْإِيقَاعِ، وَالْكَلَامُ فِيهَا كَمَا مَرَّ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّالِثَةِ.

(قَوْلُهُ بُرْهَانٌ آخَرُ) هَذَا هُوَ الدَّلِيلُ الثَّانِي، وَحَاصِلُهُ: أَنَّا نَعْلَمُ بِالْوِجْدَانِ أَنَّ لِلْعَبْدِ صُنْعًا مَا أَيْ فِعْلًا مَا بِالِاخْتِيَارِ، وَصُنْعُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرٍ لَا مَوْجُودٍ، وَلَا مَعْدُومٍ لَا فِي أَمْرٍ مَوْجُودٍ؛ لِأَنَّ صُنْعَهُ فِيهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ بِوَاسِطَةِ وُجُودِ شَيْءٍ أَوْ بِوَاسِطَةِ عَدَمِ شَيْءٍ، وَالْأَقْسَامُ بِأَسْرِهَا بَاطِلَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ الشَّيْءِ يَجِبُ عِنْدَ تَمَامِ عِلَّتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ صُنْعُ الْعَبْدِ فِيهِ أَيْ تَأْثِيرُهُ الِاخْتِيَارِيُّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ الْأَمْرِ الَّذِي يَكُونُ الصُّنْعُ بِوَاسِطَتِهِ يَجِبُ بِالْمَوْجُودَاتِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى الْوَاجِبِ فَيَخْرُجُ مِنْ صُنْعِ الْعَبْدِ ضَرُورَةَ كَوْنِهِ وَاجِبًا، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ ذَلِكَ الْعَدَمَ إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>