وَاجِبًا عَقْلًا فَيَكُونُ حَسَنًا عَقْلًا) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْعَقْلِيَّ مَا يُحْمَدُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُذَمُّ عَلَى تَرْكِهِ عَقْلًا، وَالْحَسَنُ الْعَقْلِيُّ مَا يُحْمَدُ عَلَى فِعْلِهِ عَقْلًا فَالْوَاجِبُ الْعَقْلِيُّ أَخَصُّ مِنْ الْحَسَنِ الْعَقْلِيِّ (وَكَذَلِكَ) نَقُولُ فِي امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ إنَّهُ إمَّا وَاجِبٌ عَقْلًا إلَخْ هَذَا الدَّلِيلُ لِإِثْبَاتِ الْعَقْلِيِّ صَرِيحًا، وَقَوْلُهُ (وَأَيْضًا وُجُوبُ تَصْدِيقِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَوْقُوفٌ عَلَى حُرْمَةِ الْكَذِبِ فَهِيَ إنْ ثَبَتَتْ شَرْعًا يَلْزَمُ الدَّوْرِ وَإِنْ ثَبَتَتْ عَقْلًا يَلْزَمُ قُبْحُهَا عَقْلًا) هَذَا يَدُلُّ عَلَى الْقُبْحِ الْعَقْلِيِّ صَرِيحًا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْآخَرِ الْتِزَامًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّيْءُ وَاجِبًا عَقْلًا يَكُونُ تَرْكُهُ قَبِيحًا عَقْلًا، وَإِنْ كَانَ الشَّيْءُ حَرَامًا عَقْلًا فَتَرْكُهُ يَكُونُ وَاجِبًا فَيَكُونُ حَسَنًا عَقْلًا (ثُمَّ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ: الْعَقْلُ حَاكِمٌ بِالْحُسْنِ، وَالْقُبْحُ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ بِهِمَا وَعِنْدَنَا: الْحَاكِمُ بِهِمَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْعَقْلُ آلَةٌ لِلْعِلْمِ بِهِمَا فَيَخْلُقُ اللَّهُ الْعِلْمَ عَقِيبَ نَظَرِ الْعَقْلِ نَظَرًا صَحِيحًا) لَمَّا أَثْبَتْنَا الْحُسْنَ، وَالْقُبْحَ الْعَقْلِيَّيْنِ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ أَرَدْنَا أَنْ نَذْكُرَ بَعْدَ ذَلِكَ الْخِلَافَ بَيْنَنَا، وَبَيْنَهُمْ، وَذَلِكَ فِي أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَقْلَ عَنْدَهُمْ حَاكِمٌ مُطْلَقٌ بِالْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الْعِبَادِ أَمَّا عَلَى اللَّهِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَحَ لِلْعِبَادِ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ بِالْعَقْلِ فَيَكُونُ تَرْكُهُ حَرَامًا عَلَى اللَّهِ
ــ
[التلويح]
أَنَّ وُجُوبَ التَّصْدِيقِ، وَحُرْمَةَ الْكَذِبِ بِمَعْنَى جَزْمِ الْعَقْلِ بِأَنَّ صِدْقَهُ ثَابِتٌ قَطْعًا، وَكَذِبُهُ مُمْتَنِعٌ لِمَا قَامَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ مِمَّا لَا نِزَاعَ فِي كَوْنِهِ عَقْلِيًّا كَالتَّصْدِيقِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ أَوْ الْعِقَابِ فِي الْآجِلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِنَصِّ الشَّارِعِ عَلَى دَلِيلِهِ، وَهُوَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ، وَإِظْهَارُ الْمُعْجِزَةِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَصْدِيقُ كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَيَحْرُمُ كَذِبُهُ أَوْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمِ بِوُجُوبِ طَاعَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ ظُهُورَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَكَلُّمِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ مَا ثَبَتَ صِدْقُهُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ) امْتِثَالُ أَوَامِرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنْ وَجَبَ عَقْلًا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ وَجَبَ شَرْعًا تَوَقَّفَ عَلَى أَمْرِ الشَّارِعِ، وَوُجُوبُ امْتِثَالِ الْأَمْرِ بِالِامْتِثَالِ إنْ كَانَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ دَارَ، وَإِلَّا تَسَلْسَلَ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوُجُوبَ بِمَعْنَى اللُّزُومِ الْعَقْلِيِّ ثَابِتٌ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَبِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ، وَالْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ ثَابِتٌ بِنَصِّ الشَّارِعِ عَلَى دَلِيلِهِ كَمَا مَرَّ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: ٥٩] بَعْدَ مَا عُلِمَ وُجُوبُ الِامْتِثَالِ بِمَعْنَى اللُّزُومِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَمَا عُلِمَ لُزُومُ تَصْدِيقِ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الْقَطْعِيَّةُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْهَنْدَسِيَّةِ، ثُمَّ اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ، وَالْعِقَابِ أَمْرٌ آخَرُ يَثْبُتُ بِحُكْمِ الشَّارِعِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي الْهَنْدَسِيَّاتِ.
(قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْأَصْلَحَ وَاجِبٌ) لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِمَعْنَى الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ، وَالْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحُسْنُ، وَالْقُبْحُ بِالْمَعْنَى الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute