للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا الْإِقْرَارُ لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ مَعًا.

(فَمَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَتَرَكَ الْإِقْرَارَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا) اعْتِبَارُ الْجِهَةِ رُكْنِيَّةَ الْإِقْرَارِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ.

(وَإِنْ صَدَّقَ وَلَمْ يُصَادِفْ وَقْتًا يُقِرُّ فِيهِ يَكُونُ مُؤْمِنًا) اعْتِبَارُ الْجِهَةِ التَّبَعِيَّةَ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ.

(وَكَالصَّلَاةِ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ) وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: كَالْإِقْرَارِ

ــ

[التلويح]

الْإِقْرَارُ دُونَ التَّصْدِيقِ كَانَ مُؤْمِنًا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كَافِرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَمَسَّكُوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ وَأَنَّهُ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَبِأَنَّ مَنْ أَحْدَثَ الْإِيمَانَ يُوصَفُ بِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَإِنْ انْقَضَى الْإِقْرَارُ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ جُزْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ تَمَسُّكًا بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْإِيمَانِ، وَبِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِهَا، وَيَكْتَفِي، وَيَجْعَلُهَا أَهَمَّ مِنْ الْأَعْمَالِ، إلَّا أَنَّ الْإِقْرَارَ جُزْءٌ لَهُ شَائِبَةُ الْعَرَضِيَّةِ وَالتَّبَعِيَّةِ، فَفِي حَالِ الِاخْتِيَارِ تُعْتَبَرُ جِهَةُ الْجُزْئِيَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ تَارِكُ الْإِقْرَارِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي حَالِ الِاضْطِرَارِ تُعْتَبَرُ جِهَةُ الْعَرَضِيَّةِ وَالتَّبَعِيَّةِ حَتَّى يُحْكَمَ بِإِيمَانِ مَنْ صَدَّقَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِقْرَارِ، وَأَمَّا أَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ كَيْفَ يَسْقُطُ وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَيَجِيءُ جَوَابُهُ، وَلَقَدْ طَالَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَيْنَ بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ فِي تَفْسِيرِ التَّصْدِيقِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْإِيمَانِ وَأَنَّهُ تَصْدِيقُ الَّذِي قَسَّمَ الْعِلْمَ إلَيْهِ وَإِلَى التَّصَوُّرِ فِي أَوَائِلِ الْمَنْطِقِ أَوْ غَيْرُهُ، وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَعْنَاهُ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ كرويدن وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّصْدِيقِ فِي الْمَنْطِقِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ سِينَا، وَحَاصِلُهُ إذْعَانٌ وَقَبُولٌ لِوُقُوعِ النِّسْبَةِ أَوْ لَا وُقُوعَهَا وَتَسْمِيَتُهُ تَسْلِيمًا زِيَادَةُ تَوْضِيحٍ لِلْمَقْصُودِ وَجَعْلُهُ مُغَايِرًا لِلتَّصْدِيقِ الْمَنْطِقِيِّ وَهْمٌ وَحُصُولُهُ لِلْكُفَّارِ مَمْنُوعٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فِي الْبَعْضِ يَكُونُ كُفْرُهُ بِاعْتِبَارِ جُحُودِهِ بِاللِّسَانِ وَاسْتِكْبَارِهِ عَنْ الْإِذْعَانِ وَعَدَمِ رِضَاهُ بِالْإِيمَانِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُصَدِّقِينَ الْمُقِرِّينَ يَكْفُرُ بِمَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ أَمَارَاتِ الْإِنْكَارِ وَعَلَامَاتِ الِاسْتِكْبَارِ، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّصْدِيقُ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ دُونَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ.؟ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْإِقْرَارِ وَعَلَى صَرْفِ الْقُوَّةِ وَتَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَاتِ وَرَفْعِ الْمَوَانِعِ وَاسْتِعْمَالِ الْفِكْرِ فِي تَحْصِيلِ تِلْكَ الْكَيْفِيَّاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ كَمَا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِالْعِلْمِ وَالتَّيَقُّنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ التَّصْدِيقَ أَمْرٌ اخْتِيَارِيٌّ هُوَ نِسْبَةُ الصِّدْقِ إلَى الْمُخْبِرِ اخْتِيَارًا حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُ الْمُخْبِرِ ضَرُورَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْسُبَهُ إلَيْهِ اخْتِيَارًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَصْدِيقًا، وَنَحْنُ إذَا قَطَعْنَا النَّظَرَ عَنْ فِعْلِ اللِّسَانِ لَا نَفْهَمُ مِنْ نِسْبَةِ الصِّدْقِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ إلَّا قَوْلٌ حُكْمُهُ الْإِذْعَانُ لَهُ، وَبِالْجُمْلَةِ الْمَعْنَى الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ فِي الْفَارِسِيَّةِ بكرويدن تَصْدِيقٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْقَلْبِ اخْتِيَارٌ فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>