للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ شَبِيهًا لِلْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حُسْنُهَا بِالْغَيْرِ، وَهُوَ دَفْعُ حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَقَهْرُ النَّفْسِ وَزِيَارَةُ الْبَيْتِ، لَكِنَّ الْفَقِيرَ وَالْبَيْتَ لَا يَسْتَحِقَّانِ هَذِهِ الْعِبَادَةَ، وَالنَّفْسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَحْسُنُ قَهْرُهَا فَارْتَفَعَ الْوَسَائِطُ فَصَارَتْ تَعَبُّدًا

ــ

[التلويح]

قِيلَ لِمَ جُعِلَ الْإِقْرَارُ الَّذِي هُوَ عَمَلُ اللِّسَانِ دَاخِلًا فِي الْإِيمَانِ بِخِلَافِ أَعْمَالِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ وَصْفٌ لِلْإِنْسَانِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ، وَالتَّصْدِيقُ عَمَلُ الرُّوحِ فَجُعِلَ عَمَلُ شَيْءٍ مِنْ الْجَسَدِ أَيْضًا دَاخِلًا فِيهِ تَحْقِيقًا لِكَمَالِ اتِّصَالِ الْإِنْسَانِ بِالْإِيمَانِ وَتَعَيَّنَ فِعْلُ اللِّسَانِ لِأَنَّهُ الْمُتَعَيِّنُ لِلْبَيَانِ، وَإِظْهَارِ مَا فِي الْبَاطِنِ بِحَسَبِ الْوَضْعِ، وَلِهَذَا جُعِلَ الْحَمْدُ الَّذِي هُوَ فِعْلُ اللِّسَانِ رَأْسَ الشُّكْرِ، وَفِي التَّمْثِيلِ بِالْإِيمَانِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْحَسَنَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَوَقَّفَ إدْرَاكُ الْفِعْلِ حُسْنَهُ عَلَى وُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ أَوْ لَمْ يَتَوَقَّفْ، فَإِنَّ حُسْنَ الْإِيمَانِ ثَابِتٌ قَبْلَ الْأَمْرِ بِهِ مُدْرَكٌ بِالْعَقْلِ نَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ: كَالزَّكَاةِ) يُرِيدُ أَنَّ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْحُسْنِ فِي التَّصْدِيقِ الَّذِي لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ، ثُمَّ فِي الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ مِنْ الْإِيمَانِ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، ثُمَّ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ لَكِنَّهَا حَسَنَةٌ لِعَيْنِهَا بِحَيْثُ لَا تُشْبِهُ الْحَسَنَ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ الزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ، فَإِنَّهَا مَعَ احْتِمَالِ سُقُوطِهَا وَعَدَمِ رُكْنِيَّتِهَا تُشْبِهُ الْحَسَنَ لِغَيْرِهِ، فَالصَّلَاةُ حَسَنَةٌ لِعَيْنِهَا لِكَوْنِهَا تَعْظِيمًا لِلْبَارِي وَشُكْرًا لِلْمُنْعِمِ وَعِبَادَةً لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا لَا يُقَالُ حُسْنُهَا بِوَاسِطَةِ اسْتِحْقَاقِ الْمَعْبُودِ الَّذِي لَا تَحْسُنُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَا يُنَافِي الْحُسْنَ لِعَيْنِهَا بَلْ يُؤَكِّدُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ لِعَيْنِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَالْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبِيحٌ لِعَيْنِهِ وَبِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ حَسَنٌ لِعَيْنِهِ فَالْمُتَّصِفُ بِالْحُسْنِ هُوَ الْأَفْعَالُ الْمُضَافَةُ الَّتِي وَرَدَ الْأَمْرُ بِهَا إلَّا أَنَّ مِنْهَا مَا يَحْسُنُ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ الْمُضَافِ كَالْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهِمَا، وَمِنْهَا مَا يَحْسُنُ لِغَيْرِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ بِالْأَمْرِ هُوَ ذَلِكَ الْغَيْرُ لَا نَفْسُ الْفِعْلِ الْمُضَافِ كَالْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ فَكُلٌّ مِنْهَا حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْحَسَنَ بِالْغَيْرِ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ بِالْغَيْرِ إلَّا أَنَّهُ الِاعْتِبَارُ بِحُسْنِ ذَلِكَ الْغَيْرِ حَتَّى إنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ، فَصَارَ كُلٌّ مِنْهَا كَأَنَّهُ حَسَنٌ لَا بِوَاسِطَةِ أَمْرٍ فَجُعِلَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مِنْ قَبِيلِ الْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ فَهَاهُنَا مَقَامَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَيْسَتْ حَسَنَةً بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهَا بَلْ بِوَاسِطَةِ أُمُورٍ يَعْرِفُ الْعَقْلُ أَنَّهَا الْمَطْلُوبَةُ بِالْأَمْرِ وَالْمُتَّصِفَةُ بِالْحُسْنِ، وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ، وَأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْعَدَمِ حَتَّى كَانَ الْمَقْصُودَ بِالْأَمْرِ هُوَ نَفْسُ الْأَفْعَالِ الَّتِي وَرَدَ الْأَمْرُ بِهَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي نَفْسِهَا تَنْقِيصٌ لِلْمَالِ إنَّمَا تَحْسُنُ بِوَاسِطَةِ حُسْنِ دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ، وَالصَّوْمُ فِي نَفْسِهِ إضْرَارٌ بِالنَّفْسِ وَمَنْعٌ لَهَا عَمَّا أَبَاحَ لَهَا مَالِكُهَا مِنْ النِّعَمِ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ بِوَاسِطَةِ حُسْنِ قَهْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>