للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْضًا لِلَّهِ تَعَالَى) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّكُمْ إنْ أَرَدْتُمْ بِالْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ الْحُسْنُ لِذَاتِ الْفِعْلِ أَوْ لِجُزْئِهِ لَا تَكُونُ الزَّكَاةُ وَأَمْثَالُهَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ إذَا بَيَّنْتُمْ أَنَّ جِهَةَ حُسْنِهَا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا كَوْنُهَا تَعَبُّدًا مَحْضًا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ عَيْنُهَا حَسَنًا لِكَوْنِهَا مَأْمُورًا بِهَا لَا لِذَاتِهَا وَلَا لِجُزْئِهَا، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِالْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ كَوْنَ الْفِعْلِ مَأْمُورًا بِهِ فَهَذَا عَيْنُ مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ

ــ

[التلويح]

النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ الَّتِي هِيَ أَعْدَى أَعْدَاءِ الْإِنْسَانِ زَجْرًا لَهَا عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيَّاتِ وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، وَالْحَجُّ فِي نَفْسِهِ قَطْعٌ لِلْمَسَافَةِ إلَى أَمْكِنَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَزِيَارَةٌ لَهَا بِمَنْزِلَةِ السَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَزِيَارَةِ الْبُلْدَانِ وَالْأَمَاكِنِ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ بِوَاسِطَةِ زِيَارَةِ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ الْمُكَرَّمِ بِتَكْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ وَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ فَفِيهِ تَعْظِيمٌ لَهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْفَقِيرَ وَالْبَيْتَ وَإِنْ كَانَ يَسْتَحِقَّانِ الْإِحْسَانَ وَالزِّيَارَةَ نَظَرًا إلَى الْفَقْرِ وَالشَّرَفِ لَكِنَّهُمَا لَا يَسْتَحِقَّانِ هَذِهِ الْعِبَادَةَ أَعْنِي الزَّكَاةَ وَالْحَجَّ إذْ الْعِبَادَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: الْفَقِيرُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْإِحْسَانَ مِنْ جِهَةِ مَوْلَاهُ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ، وَالْبَيْتُ لَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَارَةَ وَالتَّعْظِيمَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ بَيْتٌ كَسَائِرِ الْبُيُوتِ، وَالنَّفْسُ وَإِنْ كَانَتْ بِحَسَبِ الْفِطْرَةِ مَحَلًّا لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ إلَّا أَنَّهَا لِلْمَعَاصِي أَقْبَلُ وَإِلَى الشَّهَوَاتِ أَمْيَلُ حَتَّى كَأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَمْرٍ جِبِلِّيٍّ لَهَا فَكَأَنَّهَا مَجْبُولَةٌ عَلَى الْمَعَاصِي بِمَنْزِلَةِ النَّارِ عَلَى الْإِحْرَاقِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْسُنُ قَهْرُهَا فَسَقَطَ حُسْنُ دَفْعِ الْحَاجَةِ وَزِيَارَةِ الْبَيْتِ وَقَهْرِ النَّفْسِ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ، وَصَارَ كُلٌّ مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ حَسَنًا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَعِبَادَةً خَالِصَةً بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الْوَسَائِطَ لَمْ تُعْتَبَرْ لِأَنَّهُ لَا دَخْلَ فِيهَا لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ وَاخْتِيَارِهِ فَلَمْ يُجْعَلْ الْحُسْنُ بِاعْتِبَارِهَا، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْوَسَائِطَ هِيَ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَقَهْرُ النَّفْسِ وَزِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَهِيَ بِاخْتِيَارِهِ لَا نَفْسَ الْحَاجَةِ وَشَهْوَةَ النَّفْسِ وَشَرَفَ الْأَمْكِنَةِ مِمَّا لَا دَخْلَ فِيهِ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ دَفْعَ الْحَاجَةِ وَقَهْرَ النَّفْسِ وَزِيَارَةَ الْبَيْتِ نَفْسُ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَكَيْفَ تَكُونُ وَسَائِطَ حُسْنِهَا، وَإِنَّمَا الْوَسَائِطُ هِيَ الْحَاجَةُ وَالشَّهْوَةُ وَشَرَفُ الْمَكَانِ، وَلَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ فِيهَا وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْوَاسِطَةُ مَا يَكُونُ حُسْنُ الْفِعْلِ لِأَجْلِ أَحْسَنِهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ نَفْسَ الْحَاجَةِ أَوْ الشَّهْوَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلِهَذَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الْوَسَائِطَ هِيَ لِدَفْعِ الْقَهْرِ وَالزِّيَارَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ نَفْسَ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَفِي عِبَارَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْوَسَائِطَ هِيَ قَهْرُ النَّفْسِ وَحَاجَةُ الْفَقِيرِ وَشَرَفُ الْمَكَانِ، وَالْمَقْصُودُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(قَوْلُهُ: يَرِدُ عَلَيْهِ) قَدْ خَرَّجَ بِمَا ذَكَرْنَا الْجَوَابَ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ، وَهُوَ أَنَّ حُسْنَ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهَا بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا حَسَنَةٌ لَا بِوَاسِطَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>