للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا أَتَى بِهِ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ، فَالْوُضُوءُ الْغَيْرُ الْمَنْوِيِّ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ عِنْدَنَا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَالْمَنْوِيُّ بِنِيَّةِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ لِغَيْرِهِ، وَلِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إتْيَانٌ بِالْمَأْمُورِ بِهِ.

(حَتَّى شُرِطَ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ) فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ يُشْتَرَطُ لَهَا الْأَهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي فَصْلِ الْأَهْلِيَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ الْحَسَنُ لِغَيْرِهِ.

(فَذَلِكَ الْغَيْرُ إمَّا مُنْفَصِلٌ عَنْ هَذَا الْمَأْمُورِ بِهِ) كَأَدَاءِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ السَّعْيِ، وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَغْيِيرٌ، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ التَّغْيِيرِ هَكَذَا فَذَلِكَ الْغَيْرُ إمَّا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْ هَذَا الْمَأْمُورِ بِهِ، فَأَسْقَطْتُ قَوْلِي إمَّا قَائِمٌ؛ لِأَنَّ الْأَعْرَاضَ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَائِمًا بِهَذَا الْمَأْمُورِ بِهِ فَقَوْلُهُ: مُنْفَصِلٌ يَكُونُ مُكَرَّرًا.

(كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ حَسَنٌ لِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ فَالْوُضُوءُ حَسَنٌ لِلصَّلَاةِ وَلَيْسَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً حَيْثُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِهَا فَلَا يَحْتَاجُ فِي كَوْنِهِ وَسِيلَةً لَهَا إلَى النِّيَّةِ، وَإِمَّا قَائِمٌ بِهَذَا الْمَأْمُورِ بِهِ كَالْجِهَادِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِقَضَاءِ حَقِّ الْمَيِّتِ حَتَّى إنْ أَسْلَمَ الْكُفَّارُ بِأَجْمَعِهِمْ لَا يُشْرَعُ الْجِهَادُ، وَإِنْ قَضَى الْبَعْضُ حَقَّ الْمَيِّتِ يَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ يَتَأَدَّى بِعَيْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَانَ هَذَا الضَّرْبُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ قَائِمًا بِالْمَأْمُورِ بِهِ.

(لَا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ.

(شَبِيهًا بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَجْهُ الْمُشَابَهَةِ أَنَّ مَفْهُومَ

ــ

[التلويح]

يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: إمَّا مُنْفَصِلٌ، وَإِمَّا غَيْرُ مُنْفَصِلٍ لَكِنَّهُ قَالَ: وَإِمَّا قَائِمٌ بِهَذَا الْمَأْمُورِ بِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَائِمِ بِنَفْسِهِ وَبِالْمَأْمُورِ بِهِ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ وَغَيْرُ الْمُنْفَصِلِ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَحْتَاجُ) أَيْ الْوُضُوءُ فِي كَوْنِهِ وَسِيلَةً لِلصَّلَاةِ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تَفْتَقِرُ إلَى الْوُضُوءِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ طَهَارَةً لَا بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ عِبَادَةً، وَالْمُفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ هُوَ وَصْفُهُ لَا ذَاتُهُ.

(قَوْلُهُ: كَالْجِهَادِ) فَإِنَّهُ يَحْسُنُ بِوَاسِطَةِ الْغَيْرِ الَّذِي هُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ تَحْسُنُ بِوَاسِطَةِ الْغَيْرِ الَّذِي هُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ، فَالْغَيْرَانِ أَمْرَانِ حَسَنَانِ حَاصِلَانِ بِنَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَعْنِي الْجِهَادَ وَالصَّلَاةَ لَا يَنْفَصِلَانِ عَنْهُمَا، وَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُمَا إنَّمَا صَارَا حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى كُفْرِ الْكَافِرِ وَإِسْلَامِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ مَعْنًى مُنْفَصِلٌ عَنْ الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنْ لَيْسَ كُفْرُ الْكَافِرِ وَإِسْلَامُ الْمَيِّتِ مِمَّا يَتَأَدَّى بِنَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَعْنِي الْجِهَادَ وَالصَّلَاةَ، وَأَنْ لَا مَعْنَى لِبَيَانِ الِانْفِصَالِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ عَدَمَ الِانْفِصَالِ بِمَعْنَى تَأَدِّيهِ بِنَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَعَدَمِ قِيَامِهِ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِالِانْفِصَالِ التَّغَايُرَ، وَالتَّبَايُنَ تَحْقِيقًا لِكَوْنِ حُسْنِ الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِالْغَيْرِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ) يَعْنِي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْحَسَنَ لِغَيْرِهِ، لَا شَكَّ أَنَّهُ مُغَايِرٌ لِذَلِكَ الْغَيْرِ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، فَإِنْ كَانَ مُغَايِرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>