للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجِهَادِ وَهُوَ الْقَتْلُ وَالضَّرْبُ وَأَمْثَالُهُمَا، وَهَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مَفْهُومَ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ فِي الْخَارِجِ صَارَ هَذَا الْقَتْلُ وَالضَّرْبُ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ السَّعْيَ فِي الْمَفْهُومِ غَيْرُ الْأَدَاءِ لَكِنْ فِي الْخَارِجِ عَيْنُهُ، وَكَمَا أَنَّ الْحَيَوَانَ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَفْهُومِ غَيْرُ النَّاطِقِ وَالْكَاتِبِ لَكِنْ فِي الْخَارِجِ هُوَ عَيْنُهُمَا فَالْجِهَادُ حَقِيقَةٌ، وَهِيَ الْقَتْلُ لَيْسَتْ حَسَنَةً لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا لَكِنْ فِي الْخَارِجِ، وَهُوَ عَيْنُ الْإِعْلَاءِ، وَالْإِعْلَاءُ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ فَشَابَهَ هَذَا الضَّرْبُ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ لَا الضَّرْبَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَفْهُومِ، وَفِي الْخَارِجِ.

(وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْحُسْنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ.

(يَتَنَاوَلُ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَيُصْرَفُ عَنْهُ إنْ دَلَّ الدَّلِيلُ) أَيْ الَّذِي لَا يَقْبَلُ سُقُوطَ التَّكْلِيفِ مِنْ الْحَسَنِ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ.

لِأَنَّ كَمَالَ الْأَمْرِ يَقْتَضِي كَمَالَ صِفَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَمَّا عُلِمَ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ لَزِمَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَكُونُ أَمْرًا كَامِلًا بِأَنْ يَكُونَ لِلْإِيجَابِ، فَأَمَّا الْأَمْرُ الَّذِي لِلْإِبَاحَةِ أَوْ النَّدْبِ فَنَاقِصٌ فِي كَوْنِهِ أَمْرًا إذَا ثَبَتَ هَذَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْحُسْنَ مُقْتَضَى الْأَمْرِ أَيْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الشَّيْءُ حَسَنًا لَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ (فَيَكُونُ الْأَمْرُ الْكَامِلُ) أَيْ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ لِلْإِيجَابِ (مُقْتَضِيًا لِلْحُسْنِ الْكَامِلِ) ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يَكُونُ فِي فِعْلِهِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي تَرْكِهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ لَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى

ــ

[التلويح]

لَهُ بِحَسَبِ الْخَارِجِ أَيْضًا كَأَدَاءِ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيِ فَلَا شَبَهَ لَهُ بِالْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُغَايِرًا لَهُ بِحَسَبِ الْخَارِجِ كَالْجِهَادِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ فِي الْخَارِجِ عَيْنَ ذَلِكَ الْغَيْرِ الْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ جُعِلَ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ قَبِيلِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ الشَّبِيهِ بِالْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ دُونَ الْعَكْسِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ.؟ قُلْتُ: لِأَنَّهُ لَا جِهَةَ هُنَا لِارْتِفَاعِ الْوَسَائِطِ وَصَيْرُورَتِهَا فِي الْحُكْمِ الْعَدَمَ بِخِلَافِهَا ثَمَّةَ، وَقَدْ يُقَالُ لِأَنَّ الْوَاسِطَةَ هَاهُنَا كُفْرُ الْكَافِرِ، وَإِسْلَامُ الْمَيِّتِ، وَهُمَا اخْتِيَارُ الْعَبْدِ، وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ) عِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ فِي اقْتِضَاءِ صِفَةِ الْحُسْنِ يَتَنَاوَلُ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الْأَمْرِ يَقْتَضِي كَمَالَ صِفَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَكَذَلِكَ كَوْنُهُ عِبَادَةً يَقْتَضِي هَذَا الْمَعْنَى، وَيَحْتَمِلُ الضَّرْبَ الثَّانِيَ بِدَلِيلٍ فَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ عَلَى الْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَالضَّرْبَ الْأَوَّلَ مِنْهُ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ: وَيَحْتَمِلُ الضَّرْبُ الثَّانِي إلَى قَوْلِهِ: وَيُصْرَفُ عَنْهُ لِيَشْمَلَ الْحَسَنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ كَالْجِهَادِ، وَمَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَوْ يُشْبِهُ الْحَسَنَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَفِي الْجِهَادِ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ حَسَنًا لِغَيْرِهِ، وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى احْتِمَالِ سُقُوطِ التَّكْلِيفِ، وَفِي الزَّكَاةِ عَلَى كَوْنِهَا شَبِيهَةً بِالْحَسَنِ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ اسْتِدْلَالَهُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>