عَنْ الْمَاهِيَّاتِ أَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلْحَدِّ فَهَذَا الْبَحْثُ يُذْكَرُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَكَذَا هُنَا وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْأُصُولِ لَمْ يُعَدَّ مَبَاحِثُ الْحُكْمِ مِنْ مَبَاحِثِ هَذَا الْعِلْمِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْحُكْمُ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْحُكْمِ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَهُوَ قَدِيمٌ فَالْمُرَادُ بِثُبُوتِهِ بِالْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ ثُبُوتُ عِلْمِنَا بِهِ بِتِلْكَ الْأَدِلَّةِ وَإِنْ أُرِيدَ بِالْحُكْمِ أَثَرُ الْخِطَابِ كَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ فَثُبُوتُهُ بِبَعْضِ الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ صَحِيحٌ وَبِالْبَعْضِ لَا كَالْقِيَاسِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ غَيْرُ مُثْبِتٍ لِلْوُجُوبِ، بَلْ مُثْبِتٌ غَلَبَةَ ظَنِّهِ بِالْوُجُوبِ كَمَا قِيلَ: إنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْإِثْبَاتِ إثْبَاتَ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَإِنْ نُوقِشَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مَعًا فَنَقُولُ نُرِيدُ فِي الْجَمِيعِ إثْبَاتَ الْعِلْمِ لَنَا أَوْ غَلَبَةَ الظَّنِّ لَنَا. وَاعْلَمْ أَنِّي لَمَّا وَقَعْت فِي مَبَاحِثِ الْمَوْضُوعِ وَالْمَسَائِلِ أَرَدْت أَنْ أُسْمِعَك بَعْضَ مَبَاحِثِهَا الَّتِي لَا يَسْتَغْنِي الْمُحَصِّلُ عَنْهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَلِيقُ بِهَذَا الْفَنِّ مِنْهَا أَنَّهُمْ قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْعِلْمَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ كَالطِّبِّ فَإِنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَعَنْ الْأَدْوِيَةِ وَنَحْوِهَا، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ الْمَبْحُوثَ عَنْهُ فِي الْعِلْمِ إنْ كَانَ إضَافَةَ شَيْءٍ إلَى آخَرَ كَمَا أَنَّ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ
ــ
[التلويح]
رَاجِعًا إلَى الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ التَّصَوُّرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْمُوَصِّلُ بِأَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَدَّ يُوَصِّلُ إلَى الْمُرَكَّبِ دُونَ الْبَسِيطِ فَيَكُونُ مِنْ الْمَسَائِلِ.
١ -
قَوْلُهُ (لَكِنَّ الصَّحِيحَ) ذَهَبَ صَاحِبُ الْأَحْكَامِ إلَى أَنَّ مَوْضُوعَ أُصُولِ الْفِقْهِ هُوَ الْأَدِلَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَلَا يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِ الْأَحْكَامِ، بَلْ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى تَصَوُّرِهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِهَا وَنَفْيِهَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ مَوْضُوعَهُ الْأَدِلَّةُ وَالْأَحْكَامُ؛ لِأَنَّا رَجَّعْنَا الْأَدِلَّةَ بِالتَّعْمِيمِ إلَى الْأَرْبَعَةِ وَالْأَحْكَامَ إلَى الْخَمْسَةِ وَنَظَرْنَا فِي الْمَبَاحِثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ إثْبَاتِ الْأَدِلَّةِ لِلْأَحْكَامِ إجْمَالًا فَوَجَدْنَا بَعْضَهَا رَاجِعَةً إلَى أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ وَبَعْضَهَا إلَى أَحْوَالِ الْأَحْكَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْصِيلِ الْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْفِقْهِ فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا مِنْ الْمَقَاصِدِ وَالْآخَرَ مِنْ اللَّوَاحِقِ تَحْكُمُ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ مَبَاحِثَ الْأَدِلَّةِ أَكْثَرُ وَأَهَمُّ لَكِنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْأَصَالَةَ وَالِاسْتِقْلَالَ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ أُرِيدَ بِالْحُكْمِ) هَذَا كَلَامٌ لَا حَاصِلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مُعَرِّفَاتٌ وَأَمَارَاتٌ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا أَدِلَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ فَلَا مَعْنَى لِلدَّلِيلِ إلَّا مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِثُبُوتِ الشَّيْءِ أَوْ انْتِفَائِهِ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْعِلْمَ يُؤْخَذُ بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ الْجَازِمِ أَوْ الرَّاجِحِ لِيَعُمَّ الْقَطْعِيَّ وَالظَّنِّيَّ فَيَصِحُّ فِي جَمِيعِ الْأَدِلَّةِ، وَهَذَا لَا يَتَفَاوَتُ بِقِدَمِ الْحُكْمِ وَحُدُوثِهِ وَقَدْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ آخِرِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ مَعْنَى الدَّلِيلِ مَا يُفِيدُ نَفْسَ الثُّبُوتِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعِلَلِ الْخَارِجِيَّةِ، وَإِنْ جَعَلْنَا الْحُكْمَ حَادِثًا عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ (وَاعْلَمْ إلَخْ) هَذِهِ ثَلَاثَةُ مَبَاحِثَ فِي الْمَوْضُوعِ أَوْرَدَهَا مُخَالِفًا لِجُمْهُورِ الْمُحَقِّقِينَ يَتَعَجَّبُ مِنْهَا النَّاظِرُ فِيهَا الْوَاقِفُ عَلَى كَلَامِ الْقَوْمِ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْأَوَّلِ أَنَّ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْمَوْضُوعِ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ الِاثْنَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute