بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى كَالنَّارِ فِي الْإِحْرَاقِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَإِنْ قِيلَ الْحُكْمُ قَدِيمٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَادِثُ قُلْنَا الْإِيجَابُ قَدِيمٌ وَهُوَ حُكْمُهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ زَيْدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَا وَأَثَرُهُ وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُصْطَلَحُ) أَيْ الْوُجُوبُ (حَادِثٌ، فَإِنَّهُ مُضَافٌ إلَى الْحَادِثِ فَلَا يُوجَدُ قَبْلَهُ، ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْوَقْتُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ نَفْسُ الْوُجُوبِ لَا وُجُوبُ الْأَدَاءِ.
(سَبَبٌ لِنَفْسِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْحَقِيقِيَّ الْإِيجَابُ الْقَدِيمُ وَهُوَ رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى شَيْءٍ ظَاهِرٍ فَكَانَ هَذَا) أَيْ الشَّيْءُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الْوَقْتُ (سَبَبًا لَهَا) أَيْ
ــ
[التلويح]
الْقَدِيمُ، وَسَبَبُهُ الظَّاهِرِيُّ هُوَ الْوَقْتُ، وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ سَبَبُهُ الْحَقِيقِيُّ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ بِالْفِعْلِ وَسَبَبُهُ الظَّاهِرِيُّ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى ذَلِكَ، وَوُجُودُ الْأَدَاءِ سَبَبُهُ الْحَقِيقِيُّ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتُهُ وَسَبَبُهُ الظَّاهِرِيُّ وَاسْتِطَاعَةُ الْعَبْدِ أَيْ قُدْرَتُهُ الْمُؤَثِّرَةُ الْمُسْتَجْمِعَةُ لِجَمِيعِ شَرَائِطِ التَّأْثِيرِ فَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْفِعْلِ بِالزَّمَانِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ الْوُجُوبِ جَبْرًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِيجَابِ لَا بِالْخِطَابِ كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ، إذْ لَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ لَكَانَتْ إمَّا مَعَ الْوُجُوبِ وَهُوَ جَبْرٌ لَا اخْتِيَارٌ فِيهِ، أَوْ مَعَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ صِحَّةُ الْأَسْبَابِ وَسَلَامَةُ الْآلَاتِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ حَيْثُ قَالَ إنَّ السَّبَبَ مُوجِبٌ، وَهُوَ جَبْرِيٌّ لَا يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطْ الْقُدْرَةَ سَابِقَةً عَلَى الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ نَفْسُ الْوُجُوبِ وَهُوَ جَبْرُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، أَمَّا فِعْلُ الْأَدَاءِ فَيَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ فَلِذَلِكَ كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مَعَ الْفِعْلِ.
١ -
(قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَفْسِ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ) اعْلَمْ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ عِبَارَتِهِمْ فِي تَفْسِيرِهِ يَرْجِعُ إلَى كَوْنِ الْفِعْلِ بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ تَارِكُهُ الذَّمَّ فِي الْعَاجِلِ وَالْعِقَابَ فِي الْآجِلِ، فَمِنْ هَاهُنَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا لُزُومُ الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ وَأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْوُجُوبِ بِدُونِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِمَعْنَى الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ الْأَعَمِّ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِعَادَةِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ السَّبَبُ وَوُجِدَ الْمَحَلُّ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ تَحَقَّقَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ حَتَّى يَأْثَمَ تَارِكُهُ، وَيَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ وُجِدَ فِي الْوَقْتِ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ أَوْ عَقْلِيٌّ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَالْوُجُوبُ يَتَأَخَّرُ إلَى زَمَانِ ارْتِفَاعِ الْمَانِعِ، وَحِينَئِذٍ افْتَرَقُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْفِعْلَ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي قَضَاءٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ سَبْقُ الْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ لَا سَبْقُ الْوُجُوبِ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِعْلُ النَّائِمِ وَالْحَائِضِ وَنَحْوِهِمَا قَضَاءً وَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِعْلُ النَّائِمِ وَالْحَائِضِ وَنَحْوِهِمَا قَضَاءً لِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ التَّرْكِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ بِمَعْنَى انْعِقَادِ السَّبَبِ وَصَلَاحِيَّةِ الْمَحَلِّ وَتَحَقُّقِ اللُّزُومِ لَوْلَا الْمَانِعُ وَيُسَمِّيهِ وُجُوبًا بِدُونِ وُجُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute