لِنَفْسِ الْوُجُوبِ (بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا، ثُمَّ لَفْظُ الْأَمْرِ لِمُطَالَبَةِ مَا وَجَبَ بِالْإِيجَابِ الْمُرَتِّبِ الْحُكْمَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ) وَهُوَ الْوَقْتُ (فَيَكُونُ) أَيْ لَفْظُ الْأَمْرِ (سَبَبًا لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَفْسِ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ اشْتِغَالُ ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِ بِالشَّيْءِ، وَالثَّانِي هُوَ لُزُومُ تَفْرِيغِ الذِّمَّةِ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهَا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبْقِ حَقٍّ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يَثْبُتُ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ) فَثُبُوتُ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ نَفْسُ الْوُجُوبِ.
(أَمَّا لُزُومُ الْأَدَاءِ فَعِنْدَ الْمُطَالَبَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ، وَأَيْضًا وَاجِبٌ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَلَا أَدَاءَ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ
ــ
[التلويح]
الْأَدَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا إلَّا تَغْيِيرَ عِبَارَةٍ، وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ حَتَّى إنَّ الشَّيْخَ الْمُحَقِّقَ أَبَا الْمُعِينِ بَالَغَ فِي رَدِّهِ وَإِنْكَارِهِ، وَادَّعَى أَنَّ اسْتِحَالَتَهُ غَنِيَّةٌ عَنْ الْبَيَانِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ مَثَلًا إنَّمَا هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ نَهَارًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْإِمْسَاكُ فِعْلُ الْعَبْدِ فَإِذَا حَصَلَ حَصَلَ الْأَدَاءُ، وَلَوْ كَانَا مُتَغَايِرَيْنِ لَكَانَ الصَّائِمُ فَاعِلًا فِعْلَيْنِ الْإِمْسَاكَ وَأَدَاءَ الْإِمْسَاكِ، وَكَذَا كُلُّ فَاعِلٍ كَالْآكِلِ وَالشَّارِبِ كَانَ فَاعِلًا فِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ الْفِعْلُ، وَالْآخَرُ أَدَاؤُهُ، وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ عَظِيمَةٌ، ثُمَّ قَالَ إنَّ جَعْلَ أَصْلِ الْوُجُوبِ غَيْرَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الْوَاجِبِ الْبَدَنِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ مِنْ شَيَاطِينِ الْقَدَرِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْحَجَّ لَيْسَتْ عِبَارَةً عَنْ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ الْمَخْصُوصَةِ بَلْ عَنْ مَعَانٍ وَرَاءَهَا تُقَارِنُهَا فَبِالسَّبَبِ تَجِبُ تِلْكَ الْمَعَانِي، وَتَشْتَغِلُ الذِّمَّةُ بِهَا، وَبِالْأَمْرِ يَجِبُ وُجُودُ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ تِلْكَ الْمَعَانِي بِهَا أَوْ مَعَهَا فَيَكُونُ التَّحَرُّكُ وَالسُّكُونُ مِنْ الْعَبْدِ أَدَاءً لَهَا وَتَحْصِيلًا، ثُمَّ قَالَ إنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَى مَنْ مَضَى عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَهُوَ نَائِمٌ مَثَلًا بَعْدَ زَوَالِ النَّوْمِ مَا كَانَ يُوجِبُهُ فِي الْوَقْتِ لَوْلَا النَّوْمُ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي بَابِ الصِّبَا وَالْكُفْرِ، وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَأَوْجَبَ الصَّوْمَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ مُعَلِّقًا بِاخْتِيَارِهِمَا الْوَقْتَ تَخْفِيفًا وَمَرْحَمَةً فَإِنْ اخْتَارَ الْأَدَاءَ فِي الشَّهْرِ كَانَ الصَّوْمُ وَاجِبًا فِيهِ، وَإِنْ أَخَّرَاهُ إلَى الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ كَانَ وَاجِبًا بَعْدَهُمَا، بِخِلَافِ الْوَاجِبِ الْمَالِيِّ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمَالُ وَالْأَدَاءُ فِعْلٌ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَدَاءُ مَا وُضِعَ فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ مِنْ الْمَالِ كَمَا لَوْ وَضَعَ فِي بَيْتِ الصَّبِيِّ مَالٌ مُعَيَّنٌ. وَأَمَّا الذَّاهِبُونَ إلَى الْفَرْقِ فَمِنْهُمْ مَنْ اكْتَفَى بِالتَّمْثِيلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَاوَلَ التَّحْقِيقَ فَذَهَبَ صَاحِبُ الْكَشْفِ إلَى أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِغَالِ الذِّمَّةِ بِوُجُودِ الْفِعْلِ الذِّهْنِيِّ، وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْرَاجِ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، وَلَا شَكَّ فِي تَغَايُرِهِمَا، وَلِذَا لَا يَتَبَدَّلُ ذَلِكَ التَّصَوُّرُ بِتَبَدُّلِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ بِالْعَدَمِ بَلْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا فِي الْمَالِ أَصْلُ الْوُجُوبِ لُزُومُ مَالٍ مُتَصَوَّرٍ فِي الذِّمَّةِ، وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ إخْرَاجُهُ مِنْ الْعَدَمِ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute