الْخِطَابِ) أَمَّا فِي الْأَوَّلَيْنِ فَلِأَنَّ خِطَابَ مَنْ لَا يَفْهَمُ لَغْوٌ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَيْنِ فَلِأَنَّهُمَا مُخَاطَبَانِ بِالصَّوْمِ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ.
(وَلَا بُدَّ لِلْقَضَاءِ مِنْ وُجُوبِ الْأَصْلِ فَيَكُونُ نَفْسُ الْوُجُوبِ ثَابِتًا وَيَكُونُ سَبَبُهُ) أَيْ سَبَبُ نَفْسِ الْوُجُوبِ (شَيْئًا غَيْرَ الْخِطَابِ وَهُوَ الْوَقْتُ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ الْخِطَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ غَيْرُ الْوَقْتِ، وَالْخِطَابُ يَصْلُحُ لِلسَّبَبِيَّةِ فَالسَّبَبِيَّةُ مُنْحَصِرَةٌ فِيهِمَا إمَّا لِهَذَا أَوْ لِلْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ الْآخَرِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ لَا يُدْرِكُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ نَفْسِ
ــ
[التلويح]
الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ أُقِيمَ مَالٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِهِ مَقَامَهُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْأَدَاءِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ ذَلِكَ الْمَالُ الْوَاجِبُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَأَدَاءِ الْفِعْلِ هَذَا كَلَامُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ اشْتِغَالَ الذِّمَّةِ بِوُجُودِ الْفِعْلِ الذِّهْنِيِّ أَوْ الْمَالِ الْمُتَصَوَّرِ مُجَرَّدُ عِبَارَةٍ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ تَصَوُّرُ مَنْ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَافِلًا كَالنَّائِمِ وَالصَّبِيِّ وَلَا التَّصَوُّرُ فِي الْجُمْلَةِ إذْ لَا مَعْنَى لِاشْتِغَالِ ذِمَّةِ النَّائِمِ أَوْ الصَّبِيِّ بِصَلَاةٍ أَوْ مَالٍ يُوجَدُ فِي ذِهْنِ زَيْدٍ مَثَلًا، ثُمَّ فِي تَفْسِيرِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ تَسَامُحٌ، وَالْمُرَادُ لُزُومُ الْإِخْرَاجِ، وَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ هُوَ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ بِفِعْلٍ أَوْ مَالٍ، وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ لُزُومُ تَفْرِيغِ الذِّمَّةِ عَمَّا اشْتَغَلَتْ بِهِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ لِلْفِعْلِ مَعْنًى مَصْدَرِيًّا هُوَ الْإِيقَاعُ وَمَعْنًى حَاصِلًا بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ الْحَالَةُ الْمَخْصُوصَةُ فَلُزُومُ وُقُوعِ تِلْكَ الْحَالَةِ هُوَ نَفْسُ الْوُجُوبِ، وَلُزُومُ إيقَاعِهَا وَإِخْرَاجِهَا مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ هُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ، وَكَذَا فِي الْمَالِيِّ لُزُومُ الْمَالِيِّ وَثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ نَفْسُ وُجُوبٍ، وَلُزُومُ تَسْلِيمِهِ إلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فَالْوُجُوبُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا صِفَةٌ لِشَيْءٍ آخَرَ فَهَذَا وَجْهُ افْتِرَاقِهِمَا فِي الْمَعْنَى، ثُمَّ إنَّهُمَا (يَفْتَرِقَانِ فِي) الْوُجُودِ أَمَّا فِي الْبَدَنِيِّ فَكَمَا فِي صَلَاةِ النَّائِمِ وَالنَّاسِي وَصَوْمِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ فَإِنَّ وُقُوعَ الْحَالَةِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي هِيَ الصَّلَاةُ أَوْ الصَّوْمُ لَازِمٌ نَظَرًا إلَى وُجُودِ السَّبَبِ وَأَهْلِيَّةِ الْمَحَلِّ، وَإِيقَاعُهَا مِنْ هَؤُلَاءِ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَقِيَامِ الْمَانِعِ، وَأَمَّا فِي الْمَالِيِّ فَكَمَا فِي الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى الرَّجُلُ شَيْئًا بِثَمَنٍ غَيْرِ مُشَارٍ إلَيْهِ بِالتَّعْيِينِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ضَرُورَةُ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ بِلَا ثَمَنٍ، وَلَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِلُزُومِ وُجُودِ الْحَالَةِ الْمَخْصُوصَةِ عَقِيبَ السَّبَبِ لُزُومُ وُجُودِهَا مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ كَالنَّائِمِ وَالْمَرِيضِ مَثَلًا فَلُزُومُ وُقُوعِ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ الشَّخْصِ بِدُونِ لُزُومِ إيقَاعِهِ إيَّاهُ لَيْسَ بِمَعْقُولٍ بَلْ لُزُومُ الْوُقُوعِ عَنْهُ تِلْكَ الْحَالَةِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَبَعْدَهَا كَمَا يَلْزَمُ الْوُقُوعُ يَلْزَمُ الْإِيقَاعُ، وَإِنْ أُرِيدَ لُزُومُ وُجُودِ تِلْكَ الْحَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ فَهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ سَابِقِيَّةِ الْوُجُوبِ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبْقِ وُجُوبٍ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute