الرُّخْصَةِ فَصَارَ كَالصَّحِيحِ.
(وَقَالَ زُفَرُ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَهِيَ أَنَّهُ (لَمَّا صَارَ الْوَقْتُ مُتَعَيَّنًا لَهُ فَكُلُّ إمْسَاكٍ يَقَعُ فِيهِ يَكُونُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْفَاعِلِ) .
أَيْ يَكُونُ حَقًّا مُسْتَحَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْفَاعِلِ كَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ، فَإِنَّ مَنَافِعَهُ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ.
(فَيَقَعُ الْفَرْضُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَهِبَةِ كُلِّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ بِغَيْرِ النِّيَّةِ قُلْنَا هَذَا يَكُونُ جَبْرًا، وَالشَّرْعُ عَيَّنَ الْإِمْسَاكَ الَّذِي هُوَ قُرْبَةٌ لِهَذَا) أَيْ لِصَوْمِ رَمَضَانَ.
(وَلَا قُرْبَةَ بِدُونِ الْقَصْدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا كَانَ مَنَافِعُهُ عَلَى مِلْكِهِ) لَا أَنَّ مَنَافِعَهُ صَارَتْ حَقًّا لِلَّهِ جَبْرًا لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِئَلَّا يَصِيرَ جَبْرًا فِي صِفَةِ الْعِبَادَةِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْمُتَعَيَّنِ تَعْيِينٌ هَذَا قَوْلٌ بِمُوجَبِ الْعِلَّةِ أَيْ تَسْلِيمُ دَلِيلِ الْمُعَلَّلِ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ عَلَى مَا يَأْتِي فَحَاصِلُهُ أَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّعْيِينَ وَاجِبٌ لَكِنْ نَقُولُ الْإِطْلَاقُ فِي الْمُتَعَيَّنِ تَعْيِينٌ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ زَيْدٌ وَحْدَهُ فَقَالَ آخَرُ يَا إنْسَانُ فَالْمُرَادُ بِهِ زَيْدٌ.
(وَلَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِي الْوَصْفِ) بِأَنْ نَوَى النَّفَلَ أَوْ وَاجِبًا آخَرَ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ (لِأَنَّ الْوَصْفَ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا يَبْطُلُ فَبَقِيَ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ تَعْيِينٌ وَقَالَ) أَيْ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لَمَّا وَجَبَ التَّعْيِينُ وَجَبَ
ــ
[التلويح]
إمْسَاكَهُ الَّذِي يَكُونُ قُرْبَةً؛ لَأَنْ يَكُونَ صَوْمَ رَمَضَانَ لَا صَوْمًا آخَرَ، وَالْإِمْسَاكُ بِوَصْفِ الْقُرْبَةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ النِّيَّةِ إذْ لَا قُرْبَةَ بِدُونِ الْقَصْدِ فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ غَيْرَ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَيْهِ فَلِمَ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهَا إلَى صَوْمٍ آخَرَ قُلْنَا لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ صَوْمٍ آخَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا فِي اللَّيْلِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ فِيهِ أَصْلًا فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِأَنَّ الْإِمْسَاكَ اخْتِيَارِيٌّ لَا جَبْرِيٌّ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ عَدَمِ تَحْقِيقِ مَعْنَى الْكَلَامِ، وَأَمَّا هِبَةُ النِّصَابِ فَإِنَّمَا صَارَتْ زَكَاةً مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا عِبَادَةٌ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَجَازًا مِنْ الصَّدَقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى لَا عِوَضٌ مِنْ الْفَقِيرِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَعْنَى الْقَصْدِ حَصَلَ بِاخْتِيَارِ الْمَحَلِّ، وَمَعْنَى الْقُرْبَةِ بِحَاجَةِ الْمَحَلِّ لِحُصُولِ الثَّوَابِ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ مِنْ الْفَقِيرِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) لَمَّا كَانَتْ مَنَافِعُ الْعَبْدِ عَلَى مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَصِيرَ مُسْتَحَقَّةً لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ لَزِمَ تَعْيِينُ نِيَّةِ الْفَرْضِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجُبْنُ فِي صِفَةِ الْعِبَادَةِ بِأَنْ يَكُونَ إمْسَاكُهُ عَلَى قَصْدِ الْقُرْبَةِ لِلْعِبَادَةِ الْمَفْرُوضَةِ شَاءَ الْعَبْدُ أَوْ أَبَى، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ أَيْضًا عِبَادَةٌ، وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ ثَوَابًا فَكَمَا لَا بُدَّ لِصَيْرُورَةِ الْفِعْلِ قُرْبَةً مِنْ النِّيَّةِ كَذَلِكَ لَا بُدَّ لِصَيْرُورَةِ الْقُرْبَةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا مِنْهَا احْتِرَازًا عَنْ الْجَبْرِ، وَتَعْيِينُ الْمَحَلِّ إنَّمَا يَكْفِي لِلتَّمْيِيزِ لَا لِنَفْيِ الْجَبْرِ وَإِثْبَاتِ الْقَصْدِ، وَأَمَّا تَأَدِّي فَرْضِ الْحَجِّ بِدُونِ التَّعْيِينِ فَإِنَّمَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَتَأَدَّى فَرْضُ الصَّوْمِ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ أَوْ وَاجِبٍ آخَرَ أَوْ مُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَلَوْ فِي الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ، وَالْجَوَابُ أَنَّا نُسَلِّمُ وُجُوبَ التَّعْيِينِ إلَّا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّعْيِينُ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ، فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْمُتَعَيَّنِ تَعْيِينٌ كَمَا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ زَيْدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute