للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَإِذَا عُدِمَتْ فِي الْبَعْضِ فَسَدَ ذَلِكَ فَيَفْسُدُ الْكُلُّ لِعَدَمِ التَّجَزِّي) أَيْ لِعَدَمِ تَجَزِّي الصَّوْمِ صِحَّةً وَفَسَادًا، فَإِنَّهُ إذَا فَسَدَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الصَّوْمِ شَاعَ وَفَسَدَ الْكُلُّ.

(وَالنِّيَّةُ الْمُعْتَرِضَةُ لَا تَقْبَلُ التَّقَدُّمَ قُلْنَا لَمَّا صَحَّ بِالنِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ الْكُلِّ فَلَأَنْ يَصِحَّ بِالْمُتَّصِلَةِ بِالْبَعْضِ أَوْلَى) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّ النِّيَّةَ الْمُعْتَرِضَةَ لَا تَقْبَلُ التَّقَدُّمَ وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الِاسْتِنَادَ هُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ، وَيَرْجِعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى يُحْكَمَ بِثُبُوتِهِ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ كَالْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ حَتَّى إذَا اسْتَوْلَدَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَةَ فَهَلَكَتْ فَأَدَّى الضَّمَانَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْغَاصِبِ فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إذَا اعْتَرَضَ النِّيَّةَ فِي النَّهَارِ لَا يُمْكِنُ تَقَدُّمُهُ إلَى الْفَجْرِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ إنَّمَا يُمْكِنُ فِي الْأُمُورِ الثَّابِتَةِ شَرْعًا كَالْمِلْكِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ، وَهُنَا صِحَّةُ الصَّوْمِ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِيقَةِ النِّيَّةِ وَهِيَ أَمْرٌ وِجْدَانِيٌّ فَإِذَا كَانَ حَاصِلًا فِي وَقْتٍ لَا يَكُونُ حَاصِلًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَلَا يُرَى أَنَّهَا لَا تَسْتَنِدُ إذَا اعْتَرَضَتْ النِّيَّةُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَكَمَا فِي صَوْمِ الْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ تَسْتَنِدْ بَقِيَ الْبَعْضُ بِلَا نِيَّةٍ. فَنُجِيبُ بِأَنَّا لَا نَقُولُ إنَّ النِّيَّةَ الْمُعْتَرِضَةَ تَثْبُتُ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ بِطَرِيقِ

ــ

[التلويح]

وَحْدَهُ، وَقُلْت يَا إنْسَانُ تَعَيَّنَ هُوَ لِلْإِحْضَارِ وَطَلَبِ الْإِقْبَالِ فَكَذَا هَاهُنَا لَمَّا لَمْ يُشْرَعْ فِي الْوَقْتِ إلَّا الصَّوْمُ الْفَرْضُ وَنَوَيْت مُطْلَقَ الصَّوْمِ تَعَيَّنَ هُوَ لِلْإِيجَادِ وَطَلَبِ الْحُصُولِ، فَإِنْ قِيلَ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فِي إطْلَاقِ النِّيَّةِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْصُلَ بِالْخَطَأِ فِي الْوَصْفِ بِأَنْ يَنْوِيَ النَّفَلَ أَوْ وَاجِبًا آخَرَ كَمَا لَا يُقَالُ زَيْدٌ بِاسْمِ عَمْرٍو قُلْنَا لَمَّا نَوَى الْأَصْلَ وَالْوَصْفَ، وَالْوَقْتُ قَابِلٌ لِلْأَصْلِ دُونَ الْوَصْفِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ اقْتَصَرَ الْبُطْلَانُ عَلَى الْوَصْفِ، وَبَقِيَ إطْلَاقُ أَصْلِ الصَّوْمِ فَإِنْ قُلْت الْوَصْفُ هَاهُنَا لَازِمٌ ضَرُورَةَ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ وَصْفٍ، وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا سِوَى النَّفْلِ فَبُطْلَانُهُ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْأَصْلِ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ بَلْ الْأَصْلُ وَالْوَصْفُ، وَإِنْ تَغَايَرَا بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ فَهُمَا وَاحِدٌ بِحَسَبِ الْوُجُودِ فَبُطْلَانُ أَحَدِهِمَا بُطْلَانُ الْآخَرِ قُلْت: اللَّازِمُ أَحَدُ الْأَوْصَافِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ فَبُطْلَانُ وَصْفٍ مُعَيَّنٍ لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْأَصْلِ لِجَوَازِ أَنْ يُوجَدَ مَعَ وَصْفٍ آخَرَ كَالْفَرْضِ هَاهُنَا، ثُمَّ إنَّهَا أَوْصَافٌ رَاجِعَةٌ إلَى اعْتِبَارِ الشَّارِعِ فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِبُطْلَانِ الْوَصْفِ بِمَعْنَى انْتِفَاءِ وَصْفِ النِّفَايَةِ عَنْ الصَّوْمِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْتَفِي الشَّيْءُ الَّذِي هُوَ نَفْلٌ لِيَكُونَ نَفْيًا لِلصَّوْمِ فَإِنْ قُلْتَ: نِيَّةُ النَّفْلِ إعْرَاضٌ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَافَاةِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ النِّيَّةِ قُلْت الْإِعْرَاضُ إنَّمَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ نِيَّةِ النَّفْلِ، وَقَدْ لَغَتْ فَيَلْغُو مَا فِي ضِمْنِهَا، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ أَصْلِ اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>