للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ الْحَيْثِيَّةُ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّيْءَ مَعَ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ مَوْضُوعٌ كَمَا يُقَالُ الْمَوْجُودُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْجُودٌ مَوْضُوعٌ لِلْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ فَيُبْحَثُ فِيهِ عَنْ الْأَعْرَاضِ الذَّاتِيَّةِ الَّتِي تَلْحَقُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْجُودٌ كَالْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ مَا يُبْحَثُ عَنْ أَعْرَاضِهِ لَا مَا يُبْحَثُ عَنْهُ أَوْ عَنْ أَجْزَائِهِ وَثَانِيهمَا أَنَّ الْحَيْثِيَّةَ تَكُونُ بَيَانًا لِلْأَعْرَاضِ الذَّاتِيَّةِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ أَعْرَاضٌ ذَاتِيَّةٌ مُتَنَوِّعَةٌ وَإِنَّمَا يَبْحَثُ فِي عِلْمٍ عَنْ نَوْعٍ مِنْهَا فَالْحَيْثِيَّةُ بَيَانُ ذَلِكَ النَّوْعِ فَقَوْلُهُمْ مَوْضُوعُ الطِّبِّ بَدَنُ الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصِحُّ وَيَمْرَضُ وَمَوْضُوعُ الْهَيْئَةِ أَجْسَامُ الْعَالَمِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهَا شَكْلًا يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ إذْ فِي الطِّبِّ يُبْحَثُ عَنْ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَفِي الْهَيْئَةِ عَنْ الشَّكْلِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْأَوَّلُ يَجِبُ أَنْ يُبْحَثَ فِي الطِّبِّ وَالْهَيْئَةِ عَنْ أَعْرَاضٍ

ــ

[التلويح]

أَنْ يَصْطَلِحَ عَلَى أَنَّ الْفِقْهَ وَالْهَنْدَسَةَ عِلْمٌ وَاحِدٌ مَوْضُوعُهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَالْمِقْدَارُ أَنَّهُ فِيمَا أَوْرَدَ مِنْ الْمِثَالَيْنِ مُنَاقِضٌ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْأُصُولِ ثَمَّ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ، إذْ مَحْمُولَاتُ مَسَائِلِهِ لَيْسَتْ أَعْرَاضًا ذَاتِيَّةً لِمَفْهُومِ الدَّلِيلِ، بَلْ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الِانْفِرَادِ أَوْ التَّشَارُكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَكَذَا التَّصَوُّرُ وَالتَّصْدِيقُ فِي الْمَنْطِقِ.

قَوْلُهُ (وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَذْكُرُ الْحَيْثِيَّةَ) الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِي تَحْقِيقِ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَوْضُوعِ حَيْثُ يُقَالُ مَوْضُوعُ هَذَا الْعِلْمِ هُوَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ حَيْثُ كَذَا وَلَفْظُ حَيْثُ مَوْضُوعٌ لِلْمَكَانِ اُسْتُعِيرَ لِجِهَةِ الشَّيْءِ وَاعْتِبَارُهُ يُقَالُ الْمَوْجُودُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْجُودٌ أَيْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَالْحَيْثِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَوْضُوعِ قَدْ لَا تَكُونُ مِنْ الْأَعْرَاضِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فِي الْعِلْمِ كَقَوْلِهِمْ مَوْضُوعُ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ الْبَاحِثِ عَنْ أَحْوَالِ الْمَوْجُودَاتِ الْمُجَرَّدَةِ هُوَ الْمَوْجُودُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْجُودٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَلْحَقُ الْمَوْجُودَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْجُودٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَوْهَرٌ أَوْ عَرَضٌ أَوْ جِسْمٌ أَوْ مُجَرَّدٌ، وَذَلِكَ كَالْعِلِّيَّةِ وَالْمَعْلُولِيَّةِ وَالْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ وَالْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ حَيْثِيَّةِ الْوُجُودِ، إذْ لَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهَا لِلْمَوْجُودِ وَقَدْ تَكُونُ مِنْ الْأَعْرَاضِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فِي الْعِلْمِ كَقَوْلِهِمْ مَوْضُوعُ عِلْمِ الطِّبِّ بَدَنُ الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ يَصِحُّ وَيَمْرَضُ وَمَوْضُوعُ الْعِلْمِ الطَّبِيعِيِّ الْجِسْمُ مِنْ حَيْثُ يَتَحَرَّكُ وَيَسْكُنُ وَالصِّحَّةُ وَالْمَرَضُ مِنْ الْأَعْرَاضِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فِي الطِّبِّ وَكَذَا الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ فِي الطَّبِيعِيِّ فَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْحَيْثِيَّةَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ جُزْءٌ مِنْ الْمَوْضُوعِ، وَفِي الثَّانِي بَيَانٌ لِلْأَعْرَاضِ الذَّاتِيَّةِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فِي الْعِلْمِ، إذْ لَوْ كَانَتْ جُزْءًا مِنْ الْمَوْضُوعِ كَمَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لَمَّا صَحَّ أَنْ يُبْحَثَ عَنْهَا فِي الْعِلْمِ وَتُجْعَلَ مِنْ مَحْمُولَاتِ مَسَائِلِهِ، إذْ لَا يُبْحَثُ فِي الْعِلْمِ عَنْ أَجْزَاءِ الْمَوْضُوعِ، بَلْ عَنْ أَعْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ جُزْءٌ مِنْ الْمَوْضُوعِ، بَلْ قَيْدٌ لِمَوْضُوعِيَّتِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْبَحْثَ يَكُونُ عَنْ الْأَعْرَاضِ الَّتِي تَلْحَقُهُ مِنْ تِلْكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>