عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْقُرْبَانِ لِلْمُجَاوِرِ، وَهُوَ الْأَذَى حَتَّى إنْ قَرِبَهَا وَوُجِدَ الْعُلُوقُ يَثْبُتُ النَّسَبُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ كَالْأَوَّلِ أَيْ يَقْتَضِي الْقُبْحَ لِعَيْنِهِ إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلْقُبْحِ لِغَيْرِهِ، وَعِنْدَنَا يَقْتَضِي الْقُبْحَ لِغَيْرِهِ، وَالصِّحَّةُ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ بِأَصْلِهِ إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلْقُبْحِ لِعَيْنِهِ، ثُمَّ كُلُّ مَا هُوَ قَبِيحٌ لِعَيْنِهِ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا لِلشَّرْعِيَّاتِ نَظِيرَيْنِ الصَّوْمَ وَالْبَيْعَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ يَقُولُ لَا صِحَّةَ لَهَا أَيْ لِلشَّرْعِيَّاتِ (شَرْعًا إلَّا وَأَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً، وَلَا تَكُونُ مَشْرُوعَةً مَعَ نَهْيِ الشَّرْعِ عَنْهَا إذْ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْمَشْرُوعِيَّةِ الْإِبَاحَةُ، وَقَدْ انْتَفَتْ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْقُبْحَ وَهُوَ يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ) اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَمْرَيْنِ أَوَّلُهُمَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ بِلَا قَرِينَةٍ أَصْلًا يَقْتَضِي الْقُبْحَ لِعَيْنِهِ عِنْدَهُ، وَفَائِدَتُهُ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ بَاطِلًا، وَعِنْدَنَا يَقْتَضِي الْقُبْحَ لِغَيْرِهِ وَالصِّحَّةَ بِأَصْلِهِ، وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ بِسَبَبِ الْقُبْحِ لِغَيْرِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْغَيْرُ وَصْفًا، فَإِنَّهُ بَاطِلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَنَا يَكُونُ صَحِيحًا
ــ
[التلويح]
فِي بَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الطَّلَاقَ لِغَيْرِ السُّنَّةِ لَا يَقَعُ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ» أَنَهَانَا عَمَّا يَتَكَوَّنُ أَوْ عَمَّا لَا يَتَكَوَّنُ، وَالنَّهْيُ عَمَّا لَا يَتَكَوَّنُ لَغْوٌ إذْ لَا يُقَالُ لِلْأَعْمَى لَا تُبْصِرْ وَلِلْآدَمِيِّ لَا تَطِرْ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ لَوُجِدَ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ مُبْتَلًى بَيْنَ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْفِعْلِ فَيُعَاقَبَ بِإِقْدَامِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُفَّ عَنْ الْفِعْلِ فَيُثَابَ بِامْتِنَاعِهِ، بِخِلَافِ النَّسْخِ فَإِنَّهُ لِبَيَانِ أَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَبْقَ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ شَرْعًا كَالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحِلِّ الْأَخَوَاتِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ مِثْلَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْبَيْعِ فِي الْأَوَامِرِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ دُونَ اللُّغَوِيَّةِ لِلْعُرْفِ الطَّارِئِ وَمَا وَجَدْنَا ذَلِكَ الْعُرْفَ فِي النَّوَاهِي فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ مِنْ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: ٢٢] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ» ، فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ إمْكَانَ الْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ كَافٍ فِي النَّهْيِ، وَلَا نُسَلِّمُ احْتِيَاجَهُ إلَى إمْكَانِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْحَائِضَ إنَّمَا نُهِيَتْ عَمَّا سَمَّاهُ الشَّرْعُ صَوْمًا وَصَلَاةً لَا عَنْ نَفْسِ الْإِمْسَاكِ وَالدُّعَاءِ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَصَّلَ الْكَلَامَ بَعْضَ التَّفْصِيلِ، وَحَاوَلَ الرَّدَّ فِي الْبَيْعِ الَّذِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ أَنَّ وُجُودَ الْفِعْلِ الْمَشْرُوعِ بِأَمْرَيْنِ بِفِعْلِ الْعَبْدِ وَبِإِطْلَاقِ الشَّرْعِ فَبِالنَّهْيِ امْتَنَعَ الْإِطْلَاقُ فَلَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا لَكِنَّ تَصَوُّرَ الْفِعْلِ مِنْ الْعَبْدِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَيَصِحُّ النَّهْيُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute