بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ وَنُسَمِّيهِ فَاسِدًا، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَسَيَجِيءُ هَذَا الْخِلَافُ فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَالدَّلِيلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْمَتْنِ يَدُلَّانِ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ كَوْنُ التَّصَرُّفِ بَاطِلًا.
(قُلْنَا حَقِيقَةُ النَّهْيِ تُوجِبُ كَوْنَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مُمْكِنًا فَيُثَابُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهُ، وَيُعَاقَبُ بِفِعْلِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُسْتَحِيلِ عَبَثٌ) هَذَا هُوَ الدَّلِيلُ الْمَشْهُورُ لِأَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ، وَقَدْ أَوْرَدَ الْخَصْمُ عَلَيْهِمْ أَنَّ إمْكَانَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ كَافٍ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فَأَجَبْت عَنْ هَذَا بِقَوْلِي (فَإِمْكَانُهُ إمَّا بِحَسَبِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ أَوْ اللُّغَوِيِّ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لَا يُوجِبُ الْمَفْسَدَةَ الَّتِي نَهَى لِأَجْلِهَا حَتَّى لَوْ وَجَبَ يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ الْحِسِّيَّاتِ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ) تَحْقِيقُهُ أَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَهُنَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَمْرٌ لَغَوِيٌّ مِنْ غَيْرِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَهُوَ قَوْلُهُمَا بِعْت وَاشْتَرَيْت، وَهَذَا أَمْرٌ حِسِّيٌّ، وَالثَّانِي هَذَا الْقَوْلُ مَعَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ الشَّرْعِيُّ، فَإِنْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ الْحِسِّيَّاتِ، وَحِينَئِذٍ إنْ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ الَّتِي نَهَى لِأَجْلِهَا فِي نَفْسِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ الْقَوْلُ فَلَا نِزَاعَ فِي كَوْنِهِ بَاطِلًا لَكِنَّ الْوَاقِعَ لَيْسَ هَذَا الْقِسْمَ؛ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ لَيْسَتْ فِي نَفْسِ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ بِعْت هَذَا
ــ
[التلويح]
بِنَاءً عَلَيْهِ مَثَلًا أَنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِالصَّوْمِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا الْإِمْسَاكُ مَعَ النِّيَّةِ فِي النَّهَارِ، فَأَمَّا صَيْرُورَتُهُ عِبَادَةً فَإِلَى الشَّارِعِ فَفِي يَوْمِ النَّحْرِ لَمَّا زَالَ إذْنُ الشَّارِعِ لَمْ يَبْقَ صَوْمًا مَشْرُوعًا مَعَ بَقَاءِ تَصَوُّرِ الْفِعْلِ مِنْ الْعَبْدِ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ مُطْلَقِ الصَّوْمِ فَيُحْمَلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْفِعْلُ الْمَخْصُوصُ بِدُونِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ لَا يُسَمَّى صَوْمًا كَالْإِمْسَاكِ مَعَ النِّيَّةِ فِي اللَّيْلِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِلصَّوْمِ شَرْعًا إلَّا الْإِمْسَاكُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْمَغْرِبِ مَعَ النِّيَّةِ، وَهَذَا مُتَصَوَّرٌ مِنْ الْعَبْدِ، وَقَدْ نَهَاهُ الشَّارِعُ عَنْهُ حَتَّى صَارَ يَوْمُ النَّحْرِ بِمَنْزِلَةِ اللَّيْلِ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ، وَحَاصِلُ الِاسْتِدْلَالِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّهْيَ لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الصِّحَّةِ لَكَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرَ الشَّرْعِيِّ أَيْ غَيْرَ الْمُعْتَبَرِ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الصَّحِيحُ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَصَلَاةِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ إنَّمَا هُوَ الصَّوْمُ، وَالصَّلَاةُ الشَّرْعِيَّانِ لَا الْإِمْسَاكُ وَالدُّعَاءُ، وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لَكَانَ مُمْتَنِعًا فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ الْمُمْتَنِعِ عَبَثٌ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الشَّرْعِيَّ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْمُعْتَبَرَ شَرْعًا بَلْ مَا يُسَمِّيهِ الشَّارِعُ بِذَلِكَ الِاسْمِ، وَهُوَ الصُّورَةُ الْمَعْنِيَّةُ، وَالْحَالَةُ الْمَخْصُوصَةُ صَحَّتْ أَمْ لَا نَقُولُ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ وَصَلَاةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَصَلَاةُ الْجُنُبِ، وَصَلَاةُ الْحَائِضِ بَاطِلَةٌ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا الْمُحَالُ مَنْعُ الْمُمْتَنِعِ بِغَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى كَالْحَاصِلِ يَمْتَنِعُ تَحْصِيلُهُ إذَا كَانَ حَاصِلًا بِغَيْرِ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute