{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ.
(وَعِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ يَجِبُ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ إنْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي» ) تَمَامُ الْحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
(وَلِأَنَّ أَكَثَرَ أَقْوَالِهِمْ مَسْمُوعٌ مِنْ حَضْرَةِ الرِّسَالَةِ، وَإِنْ اجْتَهَدُوا فَرَأْيُهُمْ أَصْوَبُ؛ لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا مَوَارِدَ النُّصُوصِ وَلِتَقَدُّمِهِمْ فِي الدِّينِ، وَبَرَكَةِ صُحْبَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَوْنِهِمْ فِي خَيْرِ الْقُرُونِ، وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ يَجِبُ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا السَّمَاعُ أَوْ الْكَذِبُ. وَالثَّانِي مُنْتَفٍ لَا فِيمَا يُدْرَكُ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالرَّأْيِ مِنْهُمْ مَشْهُورٌ، وَالْمُجْتَهِدُ يُخْطِئُ، وَيُصِيبُ، وَالِاقْتِدَاءُ فِي الْبَعْضِ بِمَا ذَكَرْنَا)
أَيْ: الِاقْتِدَاءُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِأَنْ نُقَلِّدَهُمْ، وَنَأْخُذَ بِقَوْلِهِمْ (وَفِي الْبَعْضِ) أَيْ: فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ (بِأَنْ
ــ
[التلويح]
لَا يَتِمَّ الْكَلَامُ بِدُونِ اعْتِبَارِهِ مِثْلَ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] فَلِهَذَا جَعَلَ الْغَايَةَ بَيَانًا لِمَعْنَى الْكَلَامِ دُونَ مُدَّةِ بَقَاءِ الْحُكْمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْكَلَامِ ثُمَّ كَوْنُ النَّسْخِ تَبْدِيلًا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا حَيْثُ نَفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْحُكْمِ التَّأْبِيدَ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ) أَيْ: تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ دُونَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ ظَنِّيٌّ، وَالْكِتَابُ قَطْعِيٌّ، فَلَا يُخَصِّصُهُ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ تَغْيِيرٌ وَتَغْيِيرُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا يُسَاوِيهِ أَوْ يَكُونُ بِمَا فَوْقَهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَامَّ قَطْعِيٌّ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ، وَإِلَّا فَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ عَامَّ الْكِتَابِ قَطْعِيُّ الْمَتْنِ لَا الدَّلَالَةِ، وَالتَّخْصِيصُ إنَّمَا يَقَعُ فِي الدَّلَالَةِ لِأَنَّهُ رَفْعُ الدَّلَالَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ فَيَكُونُ تَرْكُ ظَنِّيٍّ بِظَنِّيٍّ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى الْكِتَابُ قَطْعِيُّ الْمَتْنِ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ، وَالْخَبَرُ بِالْعَكْسِ فَكَانَ لِكُلٍّ قُوَّةٌ مِنْ وَجْهٍ فَوَجَبَ الْجَمْعُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ الْخَبَرِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُخَصِّصُونَ الْكِتَابَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى جَوَازِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَطْعِيٌّ عِنْدَ الصَّحَابِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ أَنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يُخَصِّصُونَ الْكِتَابَ بِالْخَبَرِ بَعْدَ مَا ثَبَتَ تَخْصِيصُهُ بِقَطْعِيٍّ مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ يَصِيرُ ظَنِّيًّا، وَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْقِيَاسِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ) إلَّا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ، وَلَا اعْتِدَادَ بِهِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: ١٨٧] وَلَمْ يَنْزِلْ {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] فَكَانَ أَحَدُنَا إذَا أَرَادَ الصَّوْمَ وَضَعَ عِقَالَيْنِ أَبْيَضَ، وَأَسْوَدَ وَكَانَ يَأْكُلُ، وَيَشْرَبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الصَّنِيعَ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ مِنْ الصَّوْمِ، وَوَقْتُ الْحَاجَةِ إنَّمَا هُوَ الصَّوْمُ الْفَرْضُ.
(قَوْلُهُ: فَبَيَانُ التَّقْرِيرِ، وَالتَّفْسِيرِ يَجُوزُ مَوْصُولًا وَمُتَرَاخِيًا اتِّفَاقًا) أَيْ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِلَّا فَعِنْدَ أَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ عَنْ وَقْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute