للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَسْلُكَ مَسْلَكَهُمْ) أَيْ: فِي الِاجْتِهَادِ (وَنَجْتَهِدَ كَمَا اجْتَهَدُوا) ، وَهَذَا اقْتِدَاءٌ أَيْضًا، وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ» .

(وَأَيْضًا كُلُّ مَا ثَبَتَ فِيهِ اتِّفَاقُ الشَّيْخَيْنِ يَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَأَمَّا التَّابِعِيُّ فَإِنْ ظَهَرَ فَتْوَاهُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ فَهُوَ كَالصَّحَابِيِّ عِنْدَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُمْ بِتَسْلِيمِهِمْ إيَّاهُ دَخَلَ فِي جُمْلَتِهِمْ كَشُرَيْحٍ خَالَفَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَدَّ شَهَادَةَ الْحَسَنِ لَهُ) وَكَانَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ قَبُولَ شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ.

(وَابْنُ عَبَّاسٍ رَجَعَ إلَى فَتْوَى مَسْرُوقٍ فِي النَّذْرِ بِذَبْحِ الْوَلَدِ) وَكَانَ مَذْهَبُهُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ إذْ هِيَ الدِّيَةُ فَرَجَعَ إلَى فَتْوَى مَسْرُوقٍ، وَهِيَ أَنْ يَجِبَ ذَبْحُ شَاةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ الْبَيَانِ، وَيَلْحَقُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْبَيَانُ، وَهُوَ إظْهَارُ الْمُرَادِ، وَهُوَ إمَّا بِالْمَنْطُوقِ أَوْ غَيْرِهِ الثَّانِي بَيَانُ ضَرُورَةٍ وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمَعْنَى الْكَلَامِ أَوْ اللَّازِمِ لَهُ كَالْمُدَّةِ. الثَّانِي بَيَانُ تَبْدِيلٍ. وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِلَا تَغْيِيرٍ أَوْ مَعَهُ. الثَّانِي بَيَانُ تَغْيِيرٍ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَالْغَايَةِ. وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ مَعْلُومًا

ــ

[التلويح]

الْخِطَابِ.

فَإِنْ قُلْت فَمَا فَائِدَةُ الْخِطَابِ عَلَى تَقْدِيرِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ؟ قُلْتُ فَائِدَتُهُ الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ، وَالتَّهَيُّؤُ لَهُ عِنْدَ وُرُودِ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَحَدُ الْمَدْلُولَاتِ بِخِلَافِ الْخِطَابِ بِالْمُهْمَلِ فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا أَصْلًا وَاسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَرَاخِي بَيَانِ التَّفْسِيرِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩] أَيْ: فَإِذَا قَرَأْنَاهُ بِلِسَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْكَ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ فَتُكَرِّرُ فِيهِ حَتَّى يَتَرَسَّخَ فِي ذِهْنِكَ ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَ مَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ مِنْ مَعَانِيهِ، وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى بَيَانِ التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ هُوَ الْإِيضَاحُ وَرَفْعُ الِاشْتِبَاهِ، وَأَمَّا تَسْمِيَةُ التَّغْيِيرِ بَيَانًا فَاصْطِلَاحًا وَلَوْ سُلِّمَ فَبَيَانُ التَّفْسِيرِ مُرَادٌ إجْمَاعًا، فَلَا يُرَادُ غَيْرُهُ دَفْعًا لِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَلَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ فَبَيَانُ التَّغْيِيرِ، وَقَدْ خُصَّ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ.

(قَوْلُهُ: وَبَيَانُ التَّغْيِيرِ) إنْ كَانَ بِمُسْتَقِلٍّ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا مَوْصُولًا بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ مُنْفَصِلًا حَتَّى لَا يَضُرَّ قَطْعُهُ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَجُوزُ مُتَرَاخِيًا تَمَسَّكَ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ» الْحَدِيثَ وَجْهُ التَّمَسُّكِ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الِانْفِصَالُ لَمَا أَوْجَبَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّكْفِيرَ مُعَيِّنًا بَلْ قَالَ فَلْيَسْتَثْنِ أَوْ يُكَفِّرْ فَأَوْجَبَ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ إذْ لَا حِنْثَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى التَّعْيِينِ بَلْ الْوَاجِبُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ.

وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّرَاخِي لَمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ أَصْلًا لَا مُعَيِّنًا، وَلَا مُخْبِرًا فَإِنْ قِيلَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» ، وَأَيْضًا «سَأَلَهُ الْيَهُودُ عَنْ مُدَّةِ لُبْثِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فِي كَهْفِهِمْ فَقَالَ أُجِيبُكُمْ غَدًا فَتَأَخَّرَ الْوَحْيُ بِضْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا ثُمَّ نَزَلَ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: ٢٣] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>