للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ هُوَ مُكَذِّبٌ يَطْعَنُ فِي الْكُلِّ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالطَّعْنِ الْبَاطِلِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا إعْلَاءُ مَنْزِلَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَعْظِيمُ سُنَّتِهِ وَنَظَائِرُ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ كَثِيرَةٌ) كَنَسْخِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَنَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مَا قُبِضَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ مَا شَاءَ فَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: ٥٢] مَنْسُوخًا بِالسُّنَّةِ وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ نَسْخُ التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] (وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ بِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» . الْحَدِيثَ) .

مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ أَشَقَّ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ كُلُّ مَنْ عَلَيْهِ الصِّيَامُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْفِدْيَةِ ثُمَّ صَارَ الصَّوْمُ حَتْمًا وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْمِثْلِ أَوْ الْأَخَفِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: ١٠٦] الْآيَةَ. قُلْنَا الْأَشَقُّ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا؛ لِأَنَّ فِيهِ فَضْلَ الثَّوَابِ مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْمُتَوَاتِرُ بِالْآحَادِ وَيُنْسَخُ بِالْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَيَانٌ يَجُوزُ بِالْآحَادِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَبْدِيلٌ يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ فَيَجُوزُ بِمَا هُوَ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا أَيْ: بَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ وَخَبَرِ الْآحَادِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. .

(

ــ

[التلويح]

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ مُؤَاخَذَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَجِبُ إخْرَاجُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عَنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا مُؤَاخَذَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِمَا عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ فِي الِاخْتِصَارِ بِالسُّكُوتِ عَمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ أَوْرَدَ الزِّيَادَةِ الَّتِي تُغَيِّرُ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَصِيرُ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ بِثَلَاثَةِ أَمْثِلَةٍ: الْأَوَّلِ: زِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ. وَالثَّانِي: زِيَادَةِ عِشْرِينَ جَلْدَةً عَلَى ثَمَانِينَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ. وَالثَّالِثِ: التَّخْيِيرِ فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ بَعْدَ التَّخْيِيرِ فِي أَمْرَيْنِ كَمَا يُقَالُ صُمْ أَوْ اعْتِقْ ثُمَّ يُقَالُ صُمْ أَوْ اعْتِقْ أَوْ أَطْعِمْ، وَقَدْ فُسِّرَ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ تَغْيِيرُ الْأَصْلِ بِحَيْثُ يَصِيرُ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ بِأَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ أَعْنِي: الْمَزِيدَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ يُؤْتَى بِهِ كَمَا هُوَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالِاسْتِئْنَافُ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ إذْ لَوْ فَرَضْنَا كَوْنَ الْفَجْرِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ تَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بِرَكَعَاتِهَا الثَّلَاثِ بِخِلَافِ الْمِثَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ إذْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَمَانِينَ جَلْدَةً لَا تَجِبُ إلَّا زِيَادَةُ عِشْرِينَ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ لِلثَّمَانِينَ، وَكَذَا لَوْ أَتَى بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَعْنِي: الصَّوْمَ، أَوْ الْإِعْتَاقَ كَانَ كَافِيًا مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ شَيْءٍ آخَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ فِي تَفْسِيرِ تَغْيِيرِ الْأَصْلِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ وُجُودُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، فَالْمِثَالُ الثَّانِي مُسْتَقِيمٌ إذْ الثَّمَانُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ فِي أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا إقَامَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>