وَأَمَّا الْمَنْسُوخُ فَهُوَ إمَّا الْحُكْمُ وَالتِّلَاوَةُ مَعًا قَالُوا وَقَدْ يُرْفَعَانِ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ أَوْ بِالْإِنْسَاءِ كَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْإِنْسَاءُ كَانَ لِلْقُرْآنِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: ٦] {إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: ٧] فَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] وَإِمَّا الْحُكْمُ فَقَطْ وَإِمَّا التِّلَاوَةُ فَقَطْ وَمَنَعَهُ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ بِحُكْمِهِ، وَالْحُكْمَ بِالنَّصِّ فَلَا انْفِكَاكَ بَيْنَهُمَا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: ١٥] نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ تِلَاوَتُهُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ) كَوَصِيَّةِ الْوَالِدَيْنِ وَسُورَةِ الْكَافِرِينَ وَنَحْوِهِمَا (وَنَسْخُ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ) وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِهِ؛ وَلِأَنَّ حُكْمَهُ (أَيْ: حُكْمَ النَّصِّ) عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا: يَتَعَلَّقُ بِمَعْنَاهُ. وَالْآخَرِ: بِنَظْمِهِ كَالْإِعْجَازِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ وَحُرْمَتِهِ لِلْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ فَيَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ
(وَإِمَّا وَصْفُ الْحُكْمِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِمَّا الْحُكْمُ فَقَطْ، وَإِمَّا التِّلَاوَةُ فَقَطْ (فَقَدْ اخْتَلَفُوا أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ أَمْ لَا وَذَكَرُوا أَنَّهَا إمَّا بِزِيَادَةِ جُزْءٍ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، أَوْ شَرْطٍ كَالْإِيمَانِ فِي الْكَفَّارَةِ. وَإِمَّا بِرَفْعِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ كَمَا لَوْ قَالَ فِي «الْعَلُوفَةِ زَكَاةٌ» بَعْدَ قَوْلِهِ «فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» وَهِيَ نَسْخٌ عِنْدَنَا)
أَيْ: الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ عِنْدَنَا (وَيَجِبُ اسْتِثْنَاءُ الثَّالِثِ إذْ لَا نَقُولُ بِالْمَفْهُومِ) أَيْ: بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ.
اعْلَمْ أَنَّ فِي
ــ
[التلويح]
الْحَدِّ. وَيَبْقَى الْإِشْكَالُ فِي الْمِثَالِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ بَلْ يَحْصُلُ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِتْيَانِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَغَايَةُ تَوْجِيهِهِ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَهُوَ أَنَّ تَرْكَ الْأَوَّلَيْنِ مَعَ فِعْلِ الثَّالِثِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَقَدْ كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَ الزِّيَادَةِ فَهُوَ كَالْعَدَمِ فِي انْتِفَاءِ الْحُرْمَةِ عَنْهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمِثَالَ الثَّانِيَ أَعْنِي: زِيَادَةَ عِشْرِينَ عَلَى الثَّمَانِينَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ النَّسْخِ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّ الْمِثَالَ الثَّالِثَ نَسْخٌ عِنْدَهُ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ دُخُولُهُ فِي ضَابِطِ تَغْيِيرِ الْأَصْلِ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَذْهَبَهُ هُوَ أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ غَيَّرَتْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَصِيرُ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ وَيَلْزَمُ اسْتِئْنَافُهُ، أَوْ كَانَتْ زِيَادَةُ فِعْلٍ ثَالِثٍ بَعْدَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ فَنَسْخٌ، وَإِلَّا فَلَا كَزِيَادَةِ عِشْرِينَ عَلَى ثَمَانِينَ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ حَيْثُ قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَدْ غَيَّرَتْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ تَغْيِيرًا شَرْعِيًّا بِحَيْثُ صَارَ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ لَوْ فُعِلَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يُفْعَلُ قَبْلَهَا كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهُ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ كَانَ ذَلِكَ نَسْخًا.
أَوْ كَانَ قَدْ خُيِّرَ بَيْنَ فِعْلَيْنِ فَزِيدَ فِعْلٌ ثَالِثٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَسْخًا لِتَحْرِيمِ تَرْكِ الْفِعْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا وَذَلِكَ كَزِيَادَةِ التَّغْرِيبِ عَلَى الْجَلْدِ وَزِيَادَةِ عِشْرِينَ جَلْدَةً عَلَى حَدِّ الْقَاذِفِ وَزِيَادَةِ شَرْطٍ مُنْفَصِلٍ فِي شَرَائِطِ الصَّلَاةِ كَاشْتِرَاطِ الْوُضُوءِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute