الْمَحْصُولِ وَأُصُولِ ابْن الْحَاجِب ذَكَرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ إمَّا بِزِيَادَةِ الْجُزْءِ، أَوْ بِزِيَادَةِ الشَّرْطِ أَوْ بِزِيَادَةِ مَا يَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ أَنَّ الزِّيَادَةَ نَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَأَقُولُ يَجِبُ اسْتِثْنَاءُ الثَّالِثِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ بِمَا يَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ لَا تَكُونُ نَسْخًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا مُطْلَقًا، وَقِيلَ: نَسْخٌ فِي الثَّالِثِ، وَقِيلَ: نَسْخٌ إنْ غَيَّرَتْ الْأَصْلَ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهِ كَمَا هُوَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الْفَجْرِ وَعِشْرِينَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ مَثَلًا، وَالتَّخْيِيرِ فِي الثَّلَاثَةِ بَعْدَ مَا كَانَ فِي الِاثْنَيْنِ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ) كَانَ فِي الْكِتَابِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَزَادَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمْرًا ثَالِثًا، وَهُوَ الشَّاهِدُ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي لَكِنَّ الْأَخِيرَيْنِ لَا يَسْتَقِيمَانِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ.
اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ أَوْرَدَ هُنَا ثَلَاثَةَ أَمْثِلَةٍ: فَالْأَوَّلُ: هُوَ زِيَادَةُ رَكْعَةٍ فِي الْفَجْرِ مَثَلًا، وَهَذَا الْمِثَالُ مُسْتَقِيمٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الزِّيَادَةِ إنْ أَتَى بِهِ كَمَا هُوَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَالْمِثَالَانِ الْأَخِيرَانِ وَهُمَا زِيَادَةُ عِشْرِينَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ لَا يَسْتَقِيمَانِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فَإِنَّهُ فَسَّرَ تَغْيِيرَ الْأَصْلِ
ــ
[التلويح]
هَذِهِ عِبَارَةُ الْأَحْكَامِ وَفِي مُعْتَمَدِ الْأُصُولِ أَنَّهُ قَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ: إنَّ الزِّيَادَةَ إذَا كَانَتْ مُغَيِّرَةً حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ تَغْيِيرًا شَرْعِيًّا بِحَيْثُ لَوْ فَعَلَ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَهَا لَمْ يُجْزِهِ، وَلَزِمَ اسْتِئْنَافُهُ كَانَتْ نَسْخًا، وَإِنْ فَعَلَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ يَصِحُّ وَلَمْ يَلْزَمْ اسْتِئْنَافُهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ ضَمُّ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ نَسْخًا، وَقَالَ لَوْ خَيَّرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ وَاجِبَيْنِ لَكَانَتْ زِيَادَةُ ثَالِثٍ نَسْخًا لِقُبْحِ تَرْكِهِمَا فَظَهَرَ أَنَّ فِي نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ خَلَلًا بَيِّنًا.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ فُسِّرَ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ لَمْ يُفَسِّرْهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ. (قَوْلُهُ: فَتَرْفَعُ أَجْزَاءَ الْأَصْلِ) قِيلَ: مَعْنَى الْإِجْزَاءِ امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَدَفْعُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالِامْتِثَالُ بِفِعْلِ الْأَصْلِ لَمْ يَرْتَفِعْ، وَمَا ارْتَفَعَ وَهُوَ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ لَيْسَ بِنَسْخٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ نَسْخٌ لِتَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ مَثَلًا، وَأَيْضًا قِيلَ: إنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ مَعْنَاهُ وُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُرْتَفِعٍ، وَالْمُرْتَفِعُ وَهُوَ عَدَمُ قِيَامِ غَيْرِهِمَا مَقَامَهُمَا ثَابِتٌ لِحُكْمِ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ فَلَا يَكُونُ رَفْعُهُ نَسْخًا.
(قَوْلُهُ: وَأَيْضًا الْمُطْلَقُ) يَعْنِي: أَنَّ الْإِطْلَاقَ مَعْنًى مَقْصُودٌ لَهُ حُكْمٌ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْجَوَازُ بِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى الْقَيْدِ وَحُكْمُ الْمُقَيَّدِ الْجَوَازُ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَيَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِدُونِهِ فَثُبُوتُ حُكْمِ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ حُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute