إلَى أَنْ يَقْسِمَ الْمَالَ عَلَى سِهَامِهِمْ فَقَبِلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ صَبِيًّا فَلَمَّا بَلَغَ خَالَفَ وَقَالَ مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ إنَّ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا لَمْ يَجْعَلْ فِي الْمَالِ نِصْفَيْنِ وَثُلُثًا، فَقِيلَ: هَلَّا قُلْت ذَلِكَ فِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كُنْت صَبِيًّا وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَجُلًا مَهِيبًا فَهِبْته.
(وَقَدْ يَكُونُ لِلتَّأَمُّلِ وَغَيْرِهِ) أَيْ: يَكُونُ السُّكُوتُ لِلتَّأَمُّلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ لِلْإِظْهَارِ. (وَلَنَا أَنَّ شَرْطَ التَّكَلُّمِ مِنْ الْكُلِّ مُتَعَسِّرٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَالْمُعْتَادُ أَنْ يَتَوَلَّى الْكِبَارُ الْفَتْوَى وَيُسَلِّمَ سَائِرُهُمْ، وَلَمَّا كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ مُخَالِفًا فَالسُّكُوتُ حَرَامٌ وَالصَّحَابَةُ لَا يُتَّهَمُونَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا سُكُوتُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ مَا أَفْتَوْا بِهِ مِنْ إمْسَاكِ الْمَالِ)
أَيْ: مَالٍ فَضَلَ عِنْدَهُ، (وَعَدَمِ الْغُرْمِ عَلَيْهِ) أَيْ: فِي مَسْأَلَةِ الْإِسْقَاطِ. (كَانَ حَسَنًا إلَّا أَنَّ تَعْجِيلَ أَدَاءِ الصَّدَقَةِ، وَالْتِزَامَ الْغُرْمِ صِيَانَةً عَنْ الْقِيلِ وَالْقَالِ وَرِعَايَةً لِحُسْنِ الثَّنَاءِ وَالْعَدْلِ كَانَ أَحْسَنَ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ) أَيْ: بَعْدَ تَسْلِيمِ مَا أَفْتَوْا بِهِ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا وَكَانَ خَطَأً. (فَالسُّكُوتُ بِشَرْطِ الصِّيَانَةِ عَنْ الْفَوْتِ جَائِزٌ وَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ تَعْظِيمًا لِلْفُتْيَا وَحَدِيثُ الدِّرَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَالْمُنَاظَرَةَ بَيْنَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تَخْفَى عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ عُمَرُ أَلْيَنَ لِلْحَقِّ، وَإِنْ صَحَّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اعْتَذَرَ عَنْ الْكَفِّ عَنْ الْمُنَاظَرَةِ مَعَهُ لَا عَنْ بَيَانِ مَذْهَبِهِ) فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ مَذْهَبَهُ وَمَا هُوَ حَقٌّ عِنْدَهُ لِئَلَّا
ــ
[التلويح]
بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) ذَكَرَ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ إنْ كَانَ يَرْفَعُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلَانِ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَلَا إذْ لَيْسَ فِيهِ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ حَيْثُ وَافَقَ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْ خَالَفَهُ مِنْ وَجْهٍ وَبَيَّنَ كَثِيرًا مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمَيْنِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ قَائِلٍ بِالتَّفْصِيلِ فَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ قَائِلٌ فَيَكُونُ بَاطِلًا قُلْنَا عَدَمُ الْقَوْلِ بِهِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْقَوْلِ بِهِ، وَإِلَّا لَمَا جَازَ الْحُكْمُ فِي وَاقِعَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ لَمْ يَسْبِقْ فِيهَا قَوْلٌ لِأَحَدٍ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اتَّفَقَ الْقَوْلَانِ عَلَى نَفْيِ التَّفْصِيلِ فَالْقَوْلُ بِالتَّفْصِيلِ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ بِالتَّفْصِيلِ أَعَمُّ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّفْصِيلِ، وَالْأَعَمُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ نَعَمْ لَوْ صَرَّحَ الْقَوْلَانِ بِنَفْيِ التَّفْصِيلِ لَمَا جَازَ الْقَوْلُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ فَفِي التَّفْصِيلِ تَخْطِئَةُ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي بَعْضِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ هِيَ تَخْطِئَةٌ لِلْأُمَّةِ فَيَمْتَنِعُ. قُلْنَا: الْمُمْتَنِعُ تَخْطِئَةُ الْأُمَّةِ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَا تَخْطِئَةَ كُلِّ بَعْضٍ فِيمَا لَا اتِّفَاقَ عَلَيْهِ، فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ بِالْفَصْلِ، وَإِنْ اُشْتُهِرَ فِي الْمُنَاظَرَاتِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَبُولِهِ.
وَإِنَّمَا يُقْبَلُ حَيْثُ يَصْلُحُ إلْزَامًا لِلْخَصْمِ بِأَنْ يَلْزَمَ مِنْ التَّفْصِيلِ بُطْلَانُ مَذْهَبِهِ، ثُمَّ التَّفْصِيلُ الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْأَحْكَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَصْلٌ كُلِّيٌّ يُفِيدُ مَعْرِفَةَ أَحْكَامِ الْجُزْئِيَّاتِ إذْ لَا يَخْفَى عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute