يَكُونُ شَيْطَانًا أَخْرَسَ؛ لِسُكُوتِهِ عَنْ الْحَقِّ.
لَكِنَّ الْمُنَاظَرَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّمَا اعْتَذَرَ عَنْ الْكَفِّ عَنْ الْمُنَاظَرَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ. (وَلَمَّا شَرَطْنَا مُضِيَّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ لَمْ تَرِدْ الشُّبْهَةُ الَّتِي ذُكِرَتْ) ، وَهِيَ أَنَّ السُّكُوتَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّأَمُّلِ وَغَيْرِهِ.
(مَسْأَلَةٌ إذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي قَوْلَيْنِ يَكُونُ إجْمَاعًا عَلَى نَفْيِ قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَنَا وَأَمَّا فِي غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَكَذَا عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا، وَبَعْضُهُمْ خَصُّوا ذَلِكَ بِالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ الْجَهْلُ أَصْلًا) نَظِيرُهُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي عِدَّةِ حَامِلٍ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَعِنْدَ الْبَعْضِ تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَالِاكْتِفَاءُ بِالْأَشْهُرِ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ كُلُّ الْمَالِ لِلْجَدِّ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْمُقَاسَمَةُ فَحِرْمَانُ الْجَدِّ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ الرِّبَا فَعِنْدَنَا الْعِلَّةُ هِيَ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الطُّعْمُ مَعَ الْجِنْسِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الطُّعْمُ وَالِادِّخَارُ مَعَ الْجِنْسِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الزَّوْجِ مَعَ الْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ مَعَ الْأَبَوَيْنِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْكُلِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَالْقَوْلُ بِثُلُثِ الْكُلِّ فِي إحْدَاهُمَا وَثُلُثِ
ــ
[التلويح]
النَّاظِرِ الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ هَلْ يَشْتَمِلُ عَلَى رَفْعِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ أَمْ لَا لَيْسَ عَلَى الْأُصُولِيِّ التَّعَرُّضُ لِتَفَاصِيلِ الْجُزْئِيَّاتِ.
وَمَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ مُسْتَلْزِمٌ لِبُطْلَانِ الْإِجْمَاعِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ادِّعَاءٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ثُبُوتَ أَحَدِ الشُّمُولَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ مَعَ الْأَبَوَيْنِ كَيْفَ وَقَدْ يَصْدُقُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الشُّمُولَيْنِ بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْبَعْضِ؟ وَلِهَذَا أَحْدَثَ التَّابِعُونَ قَوْلًا ثَالِثًا فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ بِثُلُثِ الْكُلِّ فِي زَوْجٍ، وَأَبَوَيْنِ دُونَ زَوْجَةٍ، وَأَبَوَيْنِ. وَقَالَ تَابِعِيٌّ آخَرُ بِالْعَكْسِ، وَكَذَا فِي الْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ لَيْسَ شُمُولُ الْوُجُودِ، وَلَا شُمُولُ الْعَدَمِ بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْبَوَاقِي مَثَلًا لَا إجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْمَخْرَجِ لِمُخَالَفَةِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَا عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِمُخَالَفَةِ الشَّافِعِيِّ.
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِذَا صَدَقَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ وَلَا وَاحِدَ مِنْ الطَّهَارَتَيْنِ مِمَّا يَجِبُ إجْمَاعًا فَكَيْفَ يَصْدُقُ أَنَّ إحْدَاهُمَا وَاجِبَةٌ إجْمَاعًا؟ غَايَةُ مَا فِي الْأَمْرِ أَنَّهُ رُكِّبَتْ مُغَلَّظَةً بِحَسَبِ التَّعْبِيرِ عَنْ الْأَمْرَيْنِ بِمَفْهُومٍ يَشْمَلُهَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَيَكُونُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِاعْتِبَارِ فَرْدٍ آخَرَ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْإِفْرَادِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْعِدَّةِ، وَالْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ لِاتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَشْهُرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute