ابْنِ مَسْعُودٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَافَقَهُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُوَافِقْهُ فِي أَنَّ الْمَحْرُومَ يُحْجَبُ حَجْبَ النُّقْصَانِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْمَجْمُوعَ الْمُرَكَّبَ مِنْ كَوْنِ عِدَّتِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَجْبِ مُنْتَفٍ إجْمَاعًا، أَمَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلِثُبُوتِ الثَّانِي، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَلِانْتِفَاءِ الْأَوَّلِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدِينَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَافَقُوا بَعْضَ الصَّحَابَةِ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ أَنَّهُمْ خَالَفُوا ذَلِكَ الْبَعْضَ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، أَقُولُ التَّمَسُّكُ بِالْإِجْمَاعِ الْمُرَكَّبِ وَبِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ مَشْهُورٌ فِي الْمُنَاظَرَاتِ، وَإِبْطَالُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَقَلْته عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ بِحَقٍّ.
بَلْ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْغَرَضُ إلْزَامَ الْخَصْمِ يَكُونُ مَقْبُولًا فِي هَذَا الْغَرَضِ كَمَا يُقَالُ فِي الْوُجُوبِ فِي الْحُلِيِّ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الضِّمَارِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِي الضِّمَارِ يَكُونُ ثَابِتًا فِي الْحُلِيِّ قِيَاسًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الضِّمَارِ يَكُونُ ثَابِتًا فِي الْحُلِيِّ إذْ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْحُلِيِّ يَلْزَمُ الْعَدَمُ فِي الضِّمَارِ مَعَ الْعَدَمِ فِي الْحُلِيِّ، وَهَذَا مُنْتَفٍ إجْمَاعًا فَهَذَا لَا يُفِيدُ حَقِّيَّةَ الْوُجُوبِ فِي الْحُلِيِّ لَكِنْ يُفِيدُ نَفْيَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ فِي الْحُلِيِّ يَلْزَمُ الْعَدَمَانِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنِ الْغَرَضُ إلْزَامَ الْخَصْمِ بَلْ إظْهَارُ مَا هُوَ الْحَقُّ، فَاعْلَمْ أَنَّ
ــ
[التلويح]
وَأَيَّ مَوْضِعٍ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فِي ذَلِكَ فَنَقُولُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَدْ يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا مُتَعَلِّقًا بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَقَدْ يَكُونُ حُكْمًا مُتَعَلِّقًا بِأَكْثَرَ مِنْ مَحَلٍّ وَاحِدٍ.
أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا مُتَعَلِّقًا بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ فَالْقَوْلَانِ فِيهِ قَدْ يَظْهَرُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ فَيَبْطُلُ الثَّالِثُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِدَّةِ، وَالْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَقَدْ يَظْهَرُ عَدَمُ اشْتِرَاكِهِمَا فِي ذَلِكَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرِّبَا فَلَا يَبْطُلُ الثَّالِثُ، وَقَدْ يَكُونَانِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُمَا اشْتِرَاكٌ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ وَافْتِرَاقٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، وَحِينَئِذٍ إنْ كَانَ الِافْتِرَاقُ مِمَّا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ ذَاتِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّ الْقَوْلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي إثْبَاتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ أَحَدِهِمَا.
وَفِي أَنَّ الثُّبُوتِ مِنْ أَحَدِهِمَا يُنَافِي الثُّبُوتَ مِنْ الْآخَرِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، فَإِحْدَاثُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا بِشُمُولِ الْوُجُودِ أَعْنِي: ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُمَا جَمِيعًا أَوْ بِشُمُولِ الْعَدَمِ أَعْنِي: عَدَمَ ثُبُوتِهِ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الِافْتِرَاقُ مِمَّا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ حَيْثُ اتَّفَقَ الْقَوْلَانِ عَلَى وُجُوبِ التَّطْهِيرِ أَعْنِي الْوُضُوءَ أَوْ غَسْلَ الْمَخْرَجِ، وَعَلَى الِافْتِرَاقِ أَعْنِي كَوْنَ الْوَاجِبِ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لَكِنْ لَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِأَنَّ وُجُوبَ أَحَدِهِمَا يُنَافِي وُجُوبَ الْآخَرِ فَالْقَوْلُ الثَّالِثُ إنْ كَانَ قَوْلًا بِشُمُولِ الْعَدَمِ أَعْنِي: عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْهُمَا كَانَ بَاطِلًا وَمُبْطِلًا لِلْإِجْمَاعِ السَّابِقِ.
وَإِنْ كَانَ قَوْلًا بِشُمُولِ الْوُجُودِ أَعْنِي: وُجُوبَهُمَا جَمِيعًا لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا لِعَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute