وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرِّبَا فَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ، أَوْ الطُّعْمُ مَعَ الْجِنْسِ لَا يَشْتَرِكَانِ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَوْ جُعِلَ مَفْهُومُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ أَحَدِ الْأُمُورِ أَمْرًا وَاحِدًا فَذَلِكَ لَيْسَ بِأَمْرٍ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ بَلْ وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ، وَلَوْ كَانَ أَمْرًا وَاحِدًا فَلَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْغُسْلَيْنِ. إمَّا الْوُضُوءُ أَوْ غَسْلُ الْمَخْرَجِ فَهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ وُجُوبُ التَّطْهِيرِ، فَالتَّطْهِيرُ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ فَذَلِكَ التَّطْهِيرُ الْوَاجِبُ هُوَ الْوُضُوءُ عِنْدَنَا، وَغَسْلُ الْمَخْرَجِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْقَوْلُ بِأَنْ لَا شَيْءَ مِنْ التَّطْهِيرِ بِوَاجِبٍ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَاجِبٌ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَلَوْ قِيلَ الِافْتِرَاقُ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَشُمُولُ الْوُجُودِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَنَقُولُ الِافْتِرَاقُ هُنَا لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَيْ: لَمْ يَحْكُمَ الشَّرْعُ بِأَنَّ الْمُنَافَاةَ ثَابِتَةٌ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا وُجُودُ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِافْتِرَاقُ حُكْمًا شَرْعِيًّا كَمَا إذَا أَخْبَرَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ فَتَزَوَّجَتْ، وَوَلَدَتْ فَجَاءَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ فَعِنْدَنَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْأَخِيرِ فَثُبُوتُهُ مِنْ كِلَيْهِمَا، أَوْ عَدَمُ الثُّبُوتِ مِنْ أَحَدِهِمَا مُنْتَفٍ إجْمَاعًا فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الِافْتِرَاقُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِمَّا أَنْ
ــ
[التلويح]
صُورَةَ بِعَيْنِهَا فَيَكُونُ الْقَوْلُ الثَّالِثُ إبْطَالًا لِلْمُجْمَعِ عَلَيْهِ كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ نَفْلًا وَفَرْضًا وَيَجْعَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَمَسْأَلَةَ مُسَاوَاةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي يَتَبَيَّنُ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ أَنْ يَشْتَرِكَ الْقَوْلَانِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ، وَبِالثَّانِي أَنْ لَا يَشْتَرِكَا فِيهِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ، وَالْبَيْعِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْمَبْحَثِ، فَإِنَّ بُطْلَانَ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ مَسْأَلَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَالْبَيْعُ بِالشَّرْطِ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا لَا تَعَلُّقَ لِإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى. وَالْمَبْحَثُ هُوَ أَنَّهُ إذَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةٍ اخْتِلَافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَإِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ هَلْ يَكُونُ إبْطَالًا لِلْإِجْمَاعِ أَمْ لَا.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرِّبَا) أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا عِلِّيَّةُ الْقَدْرِ مَعَ الْجِنْسِ، وَالْآخَرُ الطُّعْمُ مَعَ الْجِنْسِ أَوْ الِادِّخَارُ مَعَ الْجِنْسِ، وَهُمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِي وَاحِدٍ حَقِيقِيٍّ هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَإِنَّ مَفْهُومَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَاحِدٌ بِحَسَبِ الِاعْتِبَارِ بَلْ بِحَسَبِ الْعِبَارَةِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ الْعِلِّيَّةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَا يُدْرَكُ لَوْلَا خِطَابُ الشَّارِعِ بَلْ قَدْ يُسْتَنْبَطُ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَوْلَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَا رِبَا فِي غَيْرِ الْجِنْسِ، وَهَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ دُخُولِ الْجِنْسِ فِي الْعِلِّيَّةِ رَفْعٌ لِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: فَالتَّطْهِيرُ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ) قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ يَصْدُقُ لَا شَيْءَ مِنْ التَّطْهِيرَيْنِ بِمُجْمَعٍ عَلَى وُجُوبِهِ أَمَّا غَسْلُ الْمَخْرَجِ فَلِمُخَالَفَةِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا غَسْلُ الْأَعْضَاءِ فَلِمُخَالَفَةِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَصْدُقُ أَنَّ أَحَدَهُمَا وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ جُعِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute